لماذا قال يسوع لنيقوديموس أنت معلم إسرائيل ولا تفهم




   ( 3أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ».4قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟»5أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ.6 اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ.7لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ.8 اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لَكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هَكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ».9 فَأَجَابَ نِيقُودِيمُوسُ وَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا؟» 10أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وَلَسْتَ تَعْلَمُ هَذَا! » ) (يوحنا 3)

   كثيرًا ما تعجبت من سؤال الرب يسوع لنيقوديموس عن كونه معلم إسرائيل و لا يعلم،و كنت أتعجب أكثر ممن يتهكمون علي نيقوديموس بسبب رده هذا ..
سأضع هنا بعض التوضيحات البسيطة للخلفية اليهودية عن عمل الروح و الماء[1] التي كان من المفترض أن نيقوديموس علي علم بها و أعتقد أن سؤال الرب يسوع لنيقوديموس كان في محله .

أولا الروح : 


 1-  في بداية سفر التكوين نقرأ (2وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ) و كلمة يرف هنا أتت بمعني يشابه الكلمة الأنجليزية (incubate) أي يُحَضّن كما يحضّن الطائر بيضته فنيقوديموس معلم التوارة و الشريعة لابد و أنه يعلم أن مبدأ الحياة هو الماء و لابد أن يحتضن روح الله الماء كي تنبعث من وسط الفوضي حياة جديدة. فالماء و الروح كما يصورهما أول أصحاحات سفر التكوين هما مبدأ الحياة . وهو نفس ما قال عنه المزمور (30تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ )

2- و نقرأ في سفر صموئيل الأول الاصحاح الخامس ما نصه ( فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قِنِّينَةَ الدُّهْنِ[2] وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ: «أَلَيْسَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَسَحَكَ عَلَى مِيرَاثِهِ رَئِيساً؟ ...... بَعْدَ ذَلِكَ تَأْتِي إِلَى جِبْعَةِ اللَّهِ حَيْثُ أَنْصَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَيَكُونُ عِنْدَ مَجِيئِكَ إِلَى هُنَاكَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَنَّكَ تُصَادِفُ زُمْرَةً مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَازِلِينَ مِنَ الْمُرْتَفَعَةِ وَأَمَامَهُمْ رَبَابٌ وَدُفٌّ وَنَايٌ وَعُودٌ وَهُمْ يَتَنَبَّأُونَ. 6فَيَحِلُّ عَلَيْكَ رُوحُ الرَّبِّ فَتَتَنَبَّأُ مَعَهُمْ وَتَتَحَوَّلُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ..... 9وَكَانَ عِنْدَمَا أَدَارَ كَتِفَهُ لِيَذْهَبَ مِنْ عِنْدِ صَمُوئِيلَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُ قَلْباً آخَرَ. وَأَتَتْ جَمِيعُ هَذِهِ الآيَاتِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. 10وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى هُنَاكَ إِلَى جِبْعَةَ, إِذَا بِزُمْرَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ لَقِيَتْهُ, فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ اللَّهِ فَتَنَبَّأَ فِي وَسَطِهِمْ.

كان شاول أول ملوك إسرائيل رجلا ممسوحًا بالزيت المقدس و نتيجة المسح بالزيت كانت أن حل عليه روح الله فحوله إلي رجل آخر و أعطاه قلبًا جديدًا و مواهب جديدة لقد تجدد بالكلية إذ أعطاه الله بصيرة و فهمًا و قوة غير ما كان عليه في السابق . و نفس الشئ حدث مع داود و كل ملوك إسرائيل الأتقياء .
   و لكن نيقوديموس معذور فعلي رأي المثل ‘‘البعيد عن العين ... بعيد عن القلب’’ فهذا الزيت المقدس كان يحتفظ به في قدس الأقداس[3] علامة قدسيته الفائقة و لكن هذا الزيت أختفي بعد ذلك مع تابوت العهد و قسط المن و لم يعد موجودًا و بالتالي لم يرَ نيقوديموس ملكًا أو رئيس كهنة ممسوح بزيت. كما أن الهيكل الثالث الذي باشر هيرودس الكبير بنائه حوالي 20-19 ق.م لم يكن قد كمُل بناؤه بعد حتي وقت السيد المسيح.

ثانيا الماء :


1-           الاغتسال دائمًا ما كان علامة علي الطهارة الطقسية[4]. و ما أكثر الغسلات التي يمتليء بها سفر اللاويين و تعاليم الرابيين و ليس أدل علي ذلك من استياء اليهود من أن التلاميذ لم يغسلوا أيديهم قبل الأكل (مر 7: 2-3).
2-           كان هناك تقليد يهودي يقوم فيه الناس يوم الكفارة بإلقاء الخبز قي الماء كي تحمله بعيدًا عنهم إشارة أن الله طرح خطاياهم في عمق المياه (7: 19).
3-           و يجب الاّ ننسي معمودية يوحنا (معمودية التوبة مرقس 1: 4) ، و لكن هذه المعمودية رفضها الفريسيون و كان نيقوديموس واحد من هؤلاء.


الخلاصة :

1-روح الله في الفكر اليهودي كان هو روح التجديد و الحياة و الحكمة و البصيرة الثاقبة و هو الذي يحفظ الكون من الفوضي و الفساد.
2-الماء كان رمز الطهارة و الاستعداد للوقوف في حضرة الله، و كان رمزًا للتوبة و لغفران الخطايا.
و هذا ما أنعم لنا به الله في هذا العهد الجديد من خلال طقس المعمودية. 

 كان الرب علي حق حين سأل نيقوديموس كيف أنه معلم إسرائيل ولا يفهم. كيف لمعلم التوراة الاّ يفهم !!!


  





[2] من الجدير بالذكر ان تركيب زيت المسحة في العهد القديم هو نفسه تركيب زيت الميرون المقدس و من المثير للعجب أن الممسوح سواء كان ملكًا أو رئيس كهنة، كان يُدهن رأسه بعلامة (+) كإشارة أنه دعي عليه اسم يهوة و أصبح يهوة هو العامل فيه و من خلاله في رعاية شعبه.
[3] Tosefta Kippurim 2.15
[4] الطهارة الطقسية لا تعني أن الانسان نجس في غير أوقات الاغتسال أو النضح بدم الذبيحة عليه  بل تعني أن الانسان مستعد في الوقت المعين للافراز و التلاقي مع الله.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاص كما تشرحه التسبحة القبطية

شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)

الأصحاح الأول من سفر التكوين ... بين العلم و الكتاب المقدس