تأملات في إنجيل أحد التجربة

في مقالي السابق إنجيل التجربة مقدمة تفسيرية حاولت تقديم جانب بسيط من الكنوز المزخرة في أناجيل التجربة، وفي هذا المقال سأقدم تأملات على قراءات أحد التجربة  كتمهيد لاستقبال عيد القيامة المجيد حيث أن قراءة الابركسيس لهذا اليوم تتحدث عن قيامة الأموات.




قبل أن نبدأ علينا معرفة أن الصوم المقدس كان ـ تاريخيًا ـ يأتي بعد عيد الظهور الإلهي (epiphania) و أن الأحد الاول من الصوم كان هو أحد التجربة قبل إضافة الأسبوع الأول علي فترة الصوم و أنفصال الصوم عن عيد الظهور الإلهي و ضمّه بعد ذلك إلي أسبوع الآلام[1] و بحسب الترتيب التاريخي لنصوص الكتاب المقدس فإن التجربة قد تلت العماد << أما يسوع فرجع من الأردن وهو ممتلئ من الروح القدس وحمله الروح إلى البرية. أربعين يومًا يجربه إبليس. >>
و كأن الكنيسة هنا تعلن أن كل إنسان ممسوح (مسيح) لا بد أن يًمحّص بنار التجارب حتي إذا ما تزكّي نال غلبة القيامة بالرب و في الرب..

في هذا اليوم تقرأ الكنيسة فصول الإنجيل  (الإنجيل من مرقس ص 1: 1- 15)، (الإنجيل من لوقا ص 4 : 1 -13)، (الإنجيل من متي 4: 1-11) وهي أناجيل عشية و باكر و القداس علي الترتيب و فيها تسرد أحداث التجربة و يُصوَّر فيها الرب يسوع علي أنه:

1-ممتلئ من الروح (لوقا)

2-مع الوحوش في البرية (مرقس)

3-يجرب 40 يومًا و 40 ليلة من إبليس

4-بعد الإنتصار علي التجربة جاءت الملائكة لتخدمه

وهنا تنبه الكنيسة الشعب الذي جاز المعمودية إلي مراحل الحياة مع الرب في (برية) هذا العالم فمن أختاره الروح القدس نصيبًا مقدسًا له، و أنطبع عليه ختم الروح القدس فلابد أن يحتمل الحياة مع وحوش هذا العالم و ظلمات وتجارب هذا الدهر.و أخيرًا التنعم مع الرب في خدمة الملائكة.

و نلمح أيضًا في قراءات هذا اليوم الروح الرهبانية النسكية المتمثلة في (صلاة يسوع) التي يطلب فيها المؤمن ـ الذي يجوز التجربة ـ من الله أن يرحمه و يعينه حتي يعبر الإثم. فنجد المزامير

(المزمور 50: 1 و9) : ارحمني يا الله كعظيم رحمتك وكمثل كثرة رأفاتك تمحوا إثمي اصرف وجهك عن خطاياي وامح جميع آثامي: هلليلوياه.

(المزمور 56: 1) : ارحمني يا الله ارحمني. فانه عليك توكلت نفسي وبظل جناحتك اتكل إلى إن يعبر الاثم: هلليلوياه.

(المزمور 26: 11– 13) : طلبت وجهك ولوجهك يا رب ألتمس. لا تصرف وجهك عني. كن لي معينًا لا تقصني. ولا ترفضني يا الله مخلصي: هلليلوياه.

فطالما كان الرب عونًا لمن يجتهد في طلبه له، و ليس غريبًا أن ننتصر علي التجربة (بالصوم و الصلاة ty nysteia nem pe shlel).و ليس غريبًا أن نغلب التجارب بكلمة الرب (مكتوب ..... ) فمن هو الذي (خَطَّ) الكلمات إلا روح الله الذي سكن فينا بالمعمودية و جعلنا مولودين من فوق.

تعرض الرب يسوع اللابس جسدنا لثلاث تجارب ذكرها الكتاب المقدس:

1-شهوة الأكل . 2-شهوة الغني و المجد الباطل . 3- (فخ) عدم الإيمان بكلام الله .

و هنا تأتي قرائتي البولس و الكاثوليكون محذرتين و منبهتين و مشجعتين لمن هم في مثل هذه التجارب.

فبخصوص الطعام و الإيمان: <<فلنتبع ما هو للسلام وما هو لبنيان بعضنا لبعض. لا تنقض عمل الله لاجل الطعام. كل شئ طاهر ولكنه شر للإنسان الذي يأكل بعثرة. حسن أن يُؤكل لحمٌ ولا يُشرب خمرٌ ولا مما يعثر به(يضعُف) أخوك. أأنت لك إيمان فليكن لك في نفسك أمام الله. مغبوط من لا يدين نفسه فيما يستحسنه وأما الذي يرتاب فان أكل فانه يدان لان ذلك ليس من الإيمان وكل ما ليس من الإيمان فهو خطيئة. >>(رو 14)

و بخصوص الغني و المجد الباطل : <<يا إخوتي لا يكن لكم إيمان مجد ربنا يسوع المسيح بمحاباة الوجوه. لانه إن دخل إلى مجمعكم رجل في إصبعه خاتم ذهب بحلة بهية ودخل أيضًا مسكين في ثوب رث. فنظرتم إلى اللابس الحلة البهية وتقولون له اجلس أنت ههنا حسنًا وتقولون للمسكين قف أنت هناك أو اجلس ههنا تحت موطئ الأقدام. أفلا تكونوا قد ميزتم في أنفسكم وصرتم قضاة لأفكار شريرة. اسمعوا يا إخوتي الاحباء أما اختار الله مساكين هذا العالم. وهم أغنياء في الايمان وورثة للملكوت الذي وعد به الذين يحبونه وأما أنتم فأهنتم المسكين. أليس الاغنياء هم الذين يقهرونكم ويجرونكم إلى المحاكم. أليس هم يجدفون على الاسم الحسن الذي دُعي به عليكم.>> (يع 2)

هذا بخصوص التحذير و الإنذار. أما بخصوص التشجيع :

<<فيجب علينا نحن الاقوياء أن نحتمل ضعف الضعفاء ولا نرضي أنفسنا. فليرض كل واحد منا قريبه للخير للبنيان. فان المسيح لم يرض نفسه ولكن كما كُتب تعييرات معيريك وقعت عليّ لان كل ما كُتب من قبل إنما كُتب لتعليمنا لكي يكون لنا الرجاء بالصبر وبتعزية الكتب. وإله الصبر والتعزية يعطيكم فكرًا واحدًا بعضكم لبعض بحسب المسيح يسوع لكي بقلب واحد وفم واحد تمجدوا الله أبا ربنا يسوع المسيح. لذلك اقبلوا بعضكم بعضًا كما قبلكم المسيح لمجد الله>> (رو 15)

<<فان كنتم تكلمون الناموس الملوكي حسب الكتاب: تحب قريبك كنفسك. فحسنًا تفعلون. أما أن حابيتم الوجوه تفعلون خطيئة إذ يوبخكم الناموس كمتعدين. لان من حفظ الناموس كله وعثر في واحدة فقد صار مجرمًا في الكل. لان الذي قال لا تزن قال أيضًا لا تقتل. فان لم تزن ولكن قتلت فقد صرت متعدياً للناموس. هكذا تكلموا وهكذا اعملوا كعتيدين أن تحاكموا بناموس الحرية. فان الدينونة بلا رحمة تكون على من لم يعمل الرحمة. والرحمة تفتخر على الحكم>> (يع 15). و نلحظ هنا أنّ كلام الرسولين متماثل تقريبًا.

هنا و أخيرًا يأتي الحديث عن قيامة الأموات و رجاء الحياة الأبدية التي حوكِم من أجلها بولس (من قوات الظلام التي تريد طمس الحقيقة)(الابركسيس ص 23: 1-11). فقيامة الأموات التي نلناها في المعمودية مع المسيح كعربون الحياة الأبدية هي نصيب الصديقين الذين أرضوا الرب و ثبتوا في التجارب.



[1] راجع http://www.athanase.net/series4.htm?44ch22.pdf
 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاص كما تشرحه التسبحة القبطية

شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)