إنجيل التجربة مقدمة تفسيرية


هذا المقال هو محاولة تفسيرية لفهم الرسالة الأساسية التي يحاول إنجيل التجربة ـ الذي تقرأه الكنيسة القبطية في الأحد الثاني من الصوم المقدس ـ إيصالها إلى القاري المسيحي أو اليهودي، ما سأقدمه هنا في هذا المقال قد استعنت فيه بعدة مراجع خارجية ـ ستجدونها في الهوامش ـ لكن أغلب ما سأكتبه هنا هو نتاج مجهود شخصي في محاولة ربط نصوص الكتاب المقدس بعضها ببعض لذلك أرجو من أصدقائي دارسي الكتاب المقدس أن يحيطوني علمًا بمدى دقة و توافق ما فيه مع دراساتهم العلمية.

ذُكرت أحداث التجربة في الأناجيل الثلاثة الأولى و يمثل إنجيل مرقس الرواية الأبسط و الأسبق التي استعان بها الإنجيليين الآخرين في تكوين نصيهما و توصيل مفهومهما اللاهوتي. تقرأ الكنيسة القبطية أحداث أناجيل التجربة من أناجيل مرقس و لوقا و متى في قراءات عشية و باكر و القداس على الترتيب و سيكون تركيزي هنا بالأساس على إنجيل متى باعتباره إنجيل القداس و سأستعين بإنجيلي مرقس و لوقا إذا لزمت الحاجة. و لكي نفهم النص فهما صحيحا علينا ان نربطه بما قبله و ما بعده من نصوص، وهو ما سأحاول فعله بمشيئة الله.


مقدمة :


يبدأ إنجيل متى بإعلان شخص يسوع الناصري كابن داود، المسيح المنتظر الذي أتى ليقيم ملكوت الله على الأرض في مضادة مع أكبر أمبراطوريات العالم سواء في الغرب ممَثلا في الأمبراطورية الرومانية و التي بدورها يمثلها هيرودس الكبير، و الشرق و الذي يمثله المجوس الذين أتوا بالهدايا و خروا أمام يسوع ساجدين. إذا التمهيد لملوكية يسوع واضح منذ البدء في إنجيل متى. 


الأصحاح الثالث :


و لذلك يبدأ الأصحاح الثالث من إنجيل متى ببشارة اقتراب الملكوت السماوي أو ملكوت الله الذي هو و كما أوضحت سابقًا مضاد للملكوت العالمي، و نلمح نفس الإشارة في الأصحاح الثالث من إنجيل لوقا الذي يبدأ بتحديد دقيق للحكام الرومان بدءا بطيباريوس قيصر وصولاً إلى ليسانيوس ثم بعد ذلك يتحدث عن حلول الروح القدس و مسح يسوع ككاهن و ملك أوحد. لكن دعونا إذًا نأخذ ذلك بشيء من التأني :

{وفي تلك الايام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية.قائلا توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات. فان هذا هو الذي قيل عنه باشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة.} (مت3: 1- 3)، لكن لوقا  يوضح ذلك بشيء من التفصيل {في ايام رئيس الكهنة حنان وقيافا كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية. فجاء الى جميع الكورة المحيطة بالاردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. كما هو مكتوب في سفر اقوال اشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة. كل واد يمتلئ وكل جبل واكمة ينخفض وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقا سهلة. ويبصر كل بشر خلاص الله.} (لو3: 2- 6)

ما قدمه يوحنا أساسا كان يتمحور حول المسيح الموعود به في الأنبياء و الذي تميزت فترة حكمه ـ كما فهمها اليهود ـ بشيئين أساسين أولهما إحراء العدل و القضاء للمظلموين و المهمشين في إسرائيل وثانيًا دينونة الأشرار و الظالمين. و كان يوحنا يبشر بالتوبة قبل مجيء قضاء هذا المسيح الموعود على الأشرار فطريق المسيح لكي يكون مستقيما لابد للمرتفعين ان يهبطوا و للهابطين أن يرتفعوا و بذلك يتحقق ملكوت الله. و لكنه لما رأى أن المعنيين بدينونة المسيح يأتون ليعتمدوا و كأنهم بذلك يعلنون توبة و ينضمون لحزب المسيح المنتظر، ناداهم بأولاد الحيات و الأفاعي. ثم أكمل {ولا تفتكروا ان تقولوا في انفسكم لنا ابراهيم ابا لاني اقول لكم ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم. والان قد وضعت الفاس على اصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار.}  (مت3: 8- 9). وهو هنا يلعب بوترين أولهما هو أن هؤلاء الحيات يدعون أنهم نسل إبراهيم الوارث البركة و الموعد لكن يوحنا يذكرهم بقول أشعياء النبي {اسمعوا لي ايها التابعون البر الطالبون الرب انظروا الى الصخر الذي منه قطعتم والى نقرة الجب التي منها حفرتم. انظروا الى ابراهيم ابيكم والى سارة التي ولدتكم لاني دعوته وهو واحد وباركته واكثرته. } (أش51: 1- 2). فهم قد قطعوا من حجارة أي خرجوا من بطن كان في الأول عاقرًا لم ينجب لكن الله هو الذي فتحه و باركه. و ثانيًا هو يذكرهم بأن الرب يمكنه أن يقطع حجارة أخرى ليقيمها نسلا لإبراهيم ليس ذلك فقط بل أن الله سيقطع شجرتهم المتأصلة و يغرس مكانها أخرى تصنع بره و يحذرهم بأن المسيح الآتي {رفشه في يده وسينقي بيدره ويجمع قمحه الى المخزن واما التبن فيحرقه بنار لا تطفا.} (مت3: 12).

و يمكننا على خلفية ربط الخلاص بالمياه من الدينونة الآتية أن نلمح صورة الطوفان الذي أهلك العالم قديمًا و لم ينج منه إلا ثمانية أنفس بالماء (ابط 3: 20) و بشرتهم حمامة بتلك النجاة (تك 8 : 11)، و بذلك تم تأسيس خليقة جديدة على الأرض من خلال المعمودية كما من خلال الطوفان.

{حينئذ جاء يسوع من الجليل الى الاردن الى يوحنا ليعتمد منه. ولكن يوحنا منعه قائلا انا محتاج ان اعتمد منك وانت تاتي الي. فاجاب يسوع وقال له اسمح الان لانه هكذا يليق بنا ان نكمل كل بر حينئذ سمح له. فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء واذا السماوات قد انفتحت له فراى روح الله نازلا مثل حمامة واتيا عليه. وصوت من السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.} [1](مت 3: 13- 17).

هنا يشير كلام الإنجيل إلى طقس تكريس الكهنة حيث يتم تكريسهم للرب من خلال التقديس بالماء و حلول الروح القدس عليهم بعد المسحة (خر29). و بهذا يؤكد النص على أحقية المسيح يسوع كملك و كاهن في إرساء دعائم ملكوت الله على الأرض، كما أن مشهد  المياه و الحمامة يعيدنا إلى مشهد الطوفان السابق ذكره ليؤكد على أن المسيح الملك ة الكاهن هو وحده القادر أن ينجي الخليقة من الدينونة و يختم على كل هذا شهادة[2] الآب من السماء[3] كظاهرة معروفة في التقليد اليهودي تؤيد مسحة الابن الموجود في المياه[4].

و قبل دخولنا إلى الأصحاح الرابع يلزمنا أن نفهم أن المعمودية مثلت في الفكر اليهودي - المسيحي خروجًا جديدًا ـ مثل خروج موسى و بني إسرائيل من مصر و عبورهم البحر الأحمرـ وهي الصورة التي وضحها بولس الرسول في (1كو 10: 1- 2) {فاني لست أريد ايها الاخوة ان تجهلوا أن اباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة وجميعهم اجتازوا في البحر. 2 وجميعهم اعتمدوا في موسى في السحابة وفي البحر.} لكن لأن الملكوت السماوي ملكوت جديد في أرض جديدة فيسوع المسيح اجتاز الأردن كما اجتاز (يشوع) مع الشعب الإسرائيلي قديمًا مياه الأردن حينما حمل الكهنة تابوت العهد (يش3: 13) ليعبروا إلى الأرض التي أعطاهم الرب.


الأصحاح الرابع : 


بشكل عام يصف الأصحاح الرابع من إنجيل متى السيد المسيح باعتباره موسى الجديد[5] بل و إسرائيل الجديد الذي يسمع لصوت الرب و ليس آخر. فيسوع في هذا الفصل جُرّب بشهوات العالم {لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم.} (1يو 1: 16) وهي الخطايا الرئيسة التي طالما حذر منها الله بني إسرائيل في العهد القديم وهي الخطايا الرئيسية التي سقط فيها آدم و حواء. و يتراكب في هذا الأصحاح التقاليد الموجودة في سفري الخروج و التثنية[6] عن بني إسرائيل وعن تلك الوصايا التي استلموها من الرب كما يظهر المسيح منتصرًا في كل تجربة سقط فيها إسرائيل من قبل و لهذا سأقارن النصوص المتشابهة معًا لتوضيح المعاني بأكثر جلاء ، و لنبدأ معًا :

ثم اصعد يسوع الى البرية من الروح ليجرب من ابليس. (مت 4: 1)
وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب الهك هذه الاربعين سنة في القفر لكي يذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك اتحفظ وصاياه ام لا. (تث 8: 2)




هناك نمط متكرر في الكتاب المقدس مفاده أن الله يخلص الإنسان أولاً و مجانًا ثم بعد ذلك يمتحنه ليعطيه فرصة أختيار الثبات في طريق الخلاص أو البعد عنه فكما خلص بني إسرائيل من مصر ثم طلب منهم الثبات في العهد ليرثوا أرض الموعد كذلك مسح يسوع ملكًا و امتحنه ليؤكد ثباته في العهد الإلهي و بذلك يكون الابن الوارث كل ما لأبيه، نلاحظ أن تجربة أو امتحان الله للإنسان في سفر التثنية جاءت مباشرة فالله قال أنه جرب إسرائيل أما في نص متى فإن المُجرب هو إبليس بسماح روح الله و لعل هذا هو رجع الصدى لقصة أيوب حيث الله امتحن ايوب من خلال سماحه للشيطان أن يجربه. و كأن الإنجيل يريد القول بأن الله الآب بعدما مسح يسوع ملكًا و كاهنًا أصعده إلى برية قفرة صائمًا 40 يومًا كما صام موسى قديمًا و كما أتاه الله إسرائيل 40 سنة فيجربه ليراه هل يثبت وصيته و يسمع لصوته أم لا. 


فبعدما صام اربعين نهارا واربعين ليلة جاع اخيرا. فتقدم اليه المجرب[7] وقال له ان كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا. فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله[8]. (مت 4: 2 - 5)
فاذلك [الله] وأجاعك وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه اباؤك لكي يعلمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الانسان.(تث 8: 3)




هنا جرب الشيطان يسوع بأول الموبقات الثلاث (شهوة الجسد) لكن يسوع رد عليه السهم[9] بأن جسده لا يطعمه إلا الذي جعله يصوم أولاً أي الله، بل لا يحيه و يغذيه إلا كلام الله. كما يمكننا أن نلمح الشيطان يطلب من المسيح أن يحول الحجارة لخبز  كما أخرج الله قديمًا من الحجارة أولادًا لإبراهيم[10].


ثم اخذه ابليس الى المدينة المقدسة واوقفه على جناح الهيكل. وقال له ان كنت ابن الله فاطرح نفسك الى اسفل لانه مكتوب انه يوصي ملائكته بك فعلى اياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك[11]. قال له يسوع مكتوب ايضا لا تجرب الرب الهك.  (مت 4: 6- 7).
  • {لا تجربوا الرب الهكم كما جربتموه في مسة.} (تث 6: 16)
  • {ثم ارتحل كل جماعة بني اسرائيل من برية سين بحسب مراحلهم على موجب امر الرب ونزلوا في رفيديم ولم يكن ماء ليشرب الشعب. فخاصم الشعب موسى وقالوا اعطونا ماء لنشرب فقال لهم موسى لماذا تخاصمونني لماذا تجربون الرب. وعطش هناك الشعب الى الماء وتذمر الشعب على موسى وقالوا لماذا اصعدتنا من مصر لتميتنا واولادنا ومواشينا بالعطش. فصرخ موسى الى الرب قائلا ماذا افعل بهذا الشعب بعد قليل يرجمونني. فقال الرب لموسى مر قدام الشعب وخذ معك من شيوخ اسرائيل وعصاك التي ضربت بها النهر خذها في يدك واذهب. ها انا اقف امامك هناك على الصخرة في حوريب فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب ففعل موسى هكذا امام عيون شيوخ اسرائيل. ودعا اسم الموضع مسة ومريبة من اجل مخاصمة بني اسرائيل ومن اجل تجربتهم للرب قائلين افي وسطنا الرب ام لا.} (خر 17 : 1- 7)




كانت تجربة مسة هي أن الشعب شك أولاً في قدرة الرب الذي أعانهم كل هذا هذا الطريق فامتحنوه ليعرفوا هل هو في وسطهم أم لا، و بنفس الأمتحان أراد الشيطان أن يجرب يسوع، فطلب منه أن يثبت صحة كلام الله و إذا كان هو ابن الله حقًا فإن الله سيرسل ملائكته و سيرى الناس أسفل الهيكل هذه المعجزة و بالتالي سينبهرون به و قد استخدم الشيطان ثالث الموبقات (تعظم المعيشة)، لكن المسيح ابن الإنسان (إسرائيل الجديد) الحجر الذي قُطع من جبل و لم تمسسه يد إنسان البتة (دا 2: 45) لن يجرب الله إذ هو يصدق كلامه تمامًا و لذلك استخدم نفس الكلمات الإلهية من سفر التثنية أيضًا، معلنًا أنه لن يجرب من أرسله و مسحه بروحه.  


ثم اخذه ايضا ابليس الى جبل عال جدا واراه جميع ممالك العالم ومجدها. وقال له اعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي. حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. (مت 4: 8- 10)
  • الرب الهك تتقي واياه تعبد وباسمه تحلف. لا تسيروا وراء الهة اخرى من الهة الامم التي حولكم. (تث6: 13- 14)
  • اذكر الرب إلهك انه هو الذي يعطيك قوة لاصطناع الثروة لكي يفي بعهده الذي اقسم لابائك كما في هذا اليوم. وان نسيت الرب إلهك وذهبت وراء الهة اخرى وعبدتها وسجدت لها اشهد عليكم اليوم انكم تبيدون لا محالة. (تث 8:  18- 19)




جرب الشيطان الرب يسوع  هنا بشهوة العيون و تعظم المعيشة معًا و وعده بكليهما إذا لكن الرب يسوع رد عليه أخيرًا بإن السجود و العبادة تنبغي لله وحده إذ هو الذي يعطي الثروة و الجاه و ليس آخر ، و يعلن أنه لن يسجد إلا للذي مسحه ملكًا و لن يذهب وراء إله آخر.

و بذلك يكون الرب يسوع قد أجتاز الأختبار بامتياز مؤكدًا أنه يسمع لقول الله وحده (أنظر تث6، 8)؛ ففي هذين الإصحاحين كان المحفز و التحذير الرئيسي قبل كل وصية هو أن إسرائيل يجب أن يسمع وصايا الرب و ينفذ فرائضه و لا يسمع لصوت أحد غيره فهو الذي قال لإسرائيل عن نفسه {الذي اطعمك في البرية المن الذي لم يعرفه اباؤك لكي يذلك ويجربك لكي يحسن اليك في اخرتك.}  (تث 8:  16)، و يظهر ربنا يسوع المسيح كملك وطأ إبليس الحية القديمة الذي هو أبو كل مخادع و الذي كان يسيطر من خلال أولاده[12] على إسرائيل .

و بالفعل أحسن الله ليسوع في آخر التجربة حيث { تركه إبليس واذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه.} (مت 4 : 11 ) .

و تظهر من هذه الآية الأخيرة أن الله حقق ليسوع ما جربه به الشيطان أولاً؛ فالملائكة الذي رفض أن يحملوه أولاً  ـ حين جربه الشيطان ـ  جاءت و صارت تخدمه، أما كلمة (تخدمه =  διηκνουν[13]) فهي في الأصل اليوناني تعني (يقدم الطعام) و كأن النص يقول أن الله أعال يسوع بخبز من عنده بيد الملائكة، هذا الخبز الذي رفض أن يأكله أولاً ـ حين جربه الشيطان ـ و ربما يحمل النص إشارة بعيدة أن يسوع أكل المن السمائي الذي قيل عنه أنه خبز الملائكة (مز 78: 25).    


التجربة و الصلاة الربانية :


تظهر  خبرات التجربة التي اجتازها الرب يسوع في موضعين من الصلاة التي علمها الرب يسوع لتلاميذه[14] :-

1-       { خبزنا كفافنا اعطنا اليوم} (مت 6 : 11 ) و الكلمة المترجمة (كفافنا = πιοσιον) في هذه الجملة في الأصل اليوناني تنقسم إلى مقطعين (πι) بمعنى فوق و (οσιον) بمعنى جوهر  و رغم الترجمات العديدة للآية مثل (خبزنا كفافنا، خبزنا الجوهري، خبزنا الذي للغد أو الآتي) إلا أن الواضح أن مصدر الخبز هو (من فوق = من الله) ؛ فربنا يسوع وصى تلاميذه ألا يطلبوا الخبز من يد أحد إلا الله وحده.

2-       {ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير} (مت 6: 13) ، الكلمة المترجمة تجربة هي في الأصل (πειρασμν[15]) بمعنى إمتحان فالرب يسوع أيضًا وصى تلاميذه أن يطلبوا منه الله ألا يدخلهم في امتحان ليختبر إيمانهم كما فعل قديمًا مع بني إسرائيل و كما تم مع أيوب بل و معه هو شخصيًا.  بل يجب أن يطلبوا النجاة من الشرير أي الشيطان؛ فالله حينما يتركهم في مواجهة الشيطان دون أن يتدخل هو في المعركة فغالبًا ما تئول المعركة إلى هزيمة للإنسان الذي لم يثبت في مشيئة الله (التي طلبها أول الصلاة الربانية).


خلاصة :


يصور إنجيل التجربة الرب يسوع المسيح باعتباره الملك الممسوح من الله، الغالب الشيطان بكلمات الشريعة. و إسرائيل الجديد الذي يتغذى بشريعة الله فقط و لا يذهب وراء آلهة أخرى من أجل متع الدنيا بل كل غرضه هو مجد الله. و يظهر يسوع كآدم جديد اجتاز كل امتحانات الله له و خرج مبررًا.



خاتمة :


كن كربنا يسوع المسيح لا تسمع إلا لصوت الله فقط، و إذا تركك الله في مواجهة الشيطان ليمتحن إيمانك فليكن سلاحك (مكتوب .......) . و كن متأكدًا أن يسوع  {فيما هو قد تألم مجَرَبًا يقدر أن يعين المجرَبين} (عب2: 18) .














[1] قارن النص مع (أشعياء63،64) حيث النبي يحكي قصة خروج إسرائيل و اشتياقه للفداء من يد أعدائه و اشتياقه لنزول الله بملاك حضرته ليخلص شعبه و يخرجهم من الضيق كما فعل قديمًا، إذًا  فهناك ترابط واضح مع نص المعمودية كما يرويه متى هنا حيث في يسوع تتحقق الإجابة على كل طلب طلبه أشعياء ، و في يسوع أيضًا يستعيد إسرائيل ما فقده قديمًا. و لشرح أكثر استفاضة يمكن الرجوع إلى هذا المقال :  http://www.lastseminary.com/matthew/Intertextual%20Echoes%20in%20the%20Matthean%20Baptismal%20Narrative.pdf . وهنا أحب أن أنوه أني تحثت عن المقارنة بين أحداث التجربة و بين نص سفر التثنية قبل الاطلاع على المرجع السابق ذكره و الذي يتحدث في أحد أجزائه عن نفس الموضوع.

[2] تظهر هذه الشهادة بشكل خطاب موجه للمسيح شخصيًا في إنجيل مرقس، بينما تظهر موجهة للشعب الذي ينظر مشهد المعمودية في إنجيلي متى و لوقا.

[3] لاحظ أن الرب يسوع علّم تلاميذه أن ينادوا الله بـ (أبانا الذي في السموات) كما أن أباه الذي في السموات خاطبه أولاً عند عماده.


[5] لاحظ أيضًا أن المسيح في الأصحاحات التالية سيظهر كمعطي الشريعة من فوق الجبل مثلما فعل موسى.

[6] لاحظ أن نصوص سفر التثنية التي سأذكرها مبنية أصلاً على أحداث خروج بني إسرائيل من مصر.

[7] يذكر إنجيل مرقس أن التجربة طالت مدة الأربعين يومًا بينما يذكر الإنجيلين الآخرين تجارب حدثت في نهاية الأربعين يومًا.

[8] استخدم متى الإنجيلي نصوص الترجمة السبعينية لسفر التثنية لذلك فستلاحظ عزيزي القاريء وجود اختلافات طفيفة بين النص كما هو موجود في اقتباس السيد المسيح و بين النص العبري.

[9] سنرى بعد ذلك كيف كافأ الآب يسوع على طاعته.

[10] راجع (أش51: 1- 2).

[11] استعمل الشيطان هنا مقطع (مز 91: 11- 12) أما تكملة المزمور فهي {على الأسد والصل تطأ الشبل والثعبان تدوس. لأنه تعلق بي انجيه ارفعه لأنه عرف اسمي.  يدعوني فاستجيب له معه أنا في الضيق انقذه وامجده.} (مز91: 13- 15). و يمكننا من نص إنجيل مرقس أن نفهم أن هذا الشيء كان حادثًا فعلاً مع يسوع الجائع في البرية إذ {كان مع الوحوش} (مر 1: 13) لكنها لم تؤذه فهو كان ممتلئًا من روح الله. وهو في هذا مختبر يد الله بقوة فليس في حاجة لتجربة صحة كلام الله إذ أنه كان يعيشه فعلاً حاضرًا. و هو هنا عكس بني إسرائيل الذين أرسل عليهم الله الحيات قديمًا كنوع من الدينونة على أفعالهم (عد 21: 6) و الذي حذرهم منها مرة أخرى {اذ هم خاوون من جوع ومنهوكون من حمى وداء سام ارسل فيهم انياب الوحوش مع حمة زواحف الارض.} (تث32: 24).

[12] راجع (مت 3: 7)


[14] لتفاصيل أكثر عن هذه الصلاة راجع تدوينتي شروحات و تأملات في الليتورجيا (الصلاة الربانية)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاص كما تشرحه التسبحة القبطية

شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)

الأصحاح الأول من سفر التكوين ... بين العلم و الكتاب المقدس