تأملات صوفية في (اسم الخلاص) الذي لربنا يسوع المسيح


مقدمة :

في هذه السلسلة من المقالات سوف أتأمل في معاني اسم ربنا يسوع المسيح في أصله العبري
(יֵשׁוּעַ) و هو يتكون من أربعة حروف (يود - شين - واو / vav- عَيِن).
سأتبع في هذه المقالات نهجًا صوفيًا يهوديًا بالأساس أي ماذا يعني هذا الاسم للمتصوف اليهودي مع مزجه بتأملات مسيحية سواء ليتورجية أو شخصية.
سأتأمل أولاً في معاني الحروف منفردة (و كل منها هو عالم مليء بالأسرار و قائم بذاته) ثم في المعاني المختلفة للاسم و صروفه أي تباديل الحروف بأشكال مختلفة تنتج معاني معينة و هذا سنراه في حينه.



الحرف الأول : اليود (י) : السر الأول



1-    شكل الحرف و كتابته :-

اليود هو أصغر حرف في الأبجدية العبرية و مع ذلك له أهمية كبيرة من الناحية الدينية و الصوفية. لتلك الدرجة التي جعلت الرب يسوع يقول :

{ فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ [حرفيًا يودا/ يود واحدة   ἰῶτα ἓν] أَوْ نُقْطَةٌ [حرفيًا علامة ترقيم] وَاحِدَةٌ  مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ.} (متى 5: 18).

·   في صغر حجم اليود حتى يقارب النقطة الصغيرة يظهر سر (إخلاء و اتضاع) مخلصنا فهو صورة الآب و مع ذلك أخلى نفسه أخذ شكل العبد (فيلبي 2: 6- 7) و هو الذي قال :

{ اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ.} (متى 11: 29).

و هو الذي قيل فيه  :

{ فِي تَوَاضُعِهِ انْتُزِعَ قَضَاؤُهُ، وَجِيلُهُ مَنْ يُخْبِرُ بِهِ؟ } (إشعياه 53: 8 سبعينية، أعمال الرسل 8: 33).

·    حرف اليود يبدو في كتابته و كأنه (معلق في الهواء) فإذا كتبت كل الحروف و رسمت تحتها خطًا تجد أن اليود هو الحرف الوحيد الذي لا يلامس هذا الخط في أي نقطة[1].  فهو بهذا يشير إلى سر الخلاص الذي صنعه الرب بصليبه ؛ يقول القديس أثناسيوس الرسولي عن مخلصنا :

{ لأن هذا ما قاله هو نفسه عندما كان يشير إلى المِيتَة التى كان مزمعًا أن يفدى بها الجميع إذ قال :  { وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع } (يوحنا 12: 32). وأيضًا، إن كان الشيطان عدو جنسنا إذ قد سقط من السماء (لوقا 10: 18) يجول فى أجوائنا السفلية ويتسلط فيها على الأرواح الأخرى المماثلة له فى المعصية، ويحاول أن يخدع الذين تغويهم هذه الأرواح أنه يعوق الذين يرتفعون إلى فوق*، وعن هذا يقول الرسول { حسب رئيس سلطان الهواء، الروح الذى يعمل الآن فى أبناء المعصية } (أفسس 2: 2) ، فإن الرب قد جاء ليطرح الشيطان إلى أسفل، ويطهّر الهواء ويُعِدّ لنا الطريق الصاعد إلى السماء كما يقول الرسول { بالحجاب أى جسده } (عبرانيين 10: 20)، 
وهذا يلزم أن يتم بالموت. فبأىّ نوع آخر من الموت كان ممكنًا أن يتم هذا، إلاّ بالموت الذى تم فى الهواء، أى (موت) الصليب؟ فإن الذى يموت بالصليب هو وحده الذى يموت (معلقًا) فى الهواء. ولذلك كان لائقًا جدًا بالرب أن يموت بهذه الطريقة. لأنه إذ رُفع هكذا فقد طهّر الهواء من كل خبث الشيطان وكل الأرواح النجسة. } (تجسد الكلمة 25: 4 - 6/ المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية).

·    اليود يتكون من ثلاثة أجزاء (ذراع يتجه إلى أعلى و آخر يتجه إلى أسفل و جزء في المنتصف يربطهما) و هو بهذا يشير إلى دور الرب يسوع (كوسيط و مُصالِح) بين الله و الناس :

{ وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ.} (كورنثوس الثانية 5: 18 - 19).


2-    معنى اسم الحرف :-



الكلمة (يود) تأتي من السامية القديمة (يودا) بمعني (يد)[2]. و في هذا يظهر سر الرب يسوع بكونه الواسطة التي يتعامل بها الله مع العالم فهو اليد التي شكلت العالم و الإنسان مع الروح القدس.
يقول القديس ايرينيوس[3] :



{ لأنه بيدي الآب أي الابن و الروح القدس قد صنع الإنسان و ليس مجرد جزء من الإنسان على صورة الله }  (الكرازة الرسولية : الكتاب الخامس 6: 1) . 

و ليس الابن هو  يد الآب فقط بل ذراعه أيضًا فحرف اليود في طوره الأول كصورة pictograph هو  شكل ذراع  أيضًا   فالرب يسوع هو الذراع التي أرسلها الله لخلاصنا  :

{ لأنه غُلِبَ من تحننه و أرسل لنا ذراعه العالية}  (ثيؤطوكية الأثنين : القطعة 5) .


** سر (اليود) الأول إذًا هو سر مخلصنا كوسيط بين الله و الناس : فهو اليد التي خلق بها الآب العالم و الإنسان أولاً و هو اليد التي خلق بها الله العالم من جديد بعد سقوطه حينما أخلى ربنا يسوع ذاته و أخذ صورة العبد ليصالح الأرضيين مع السمائيين حينما عُلِّق على الصليب و طهر الهواء من الشياطين و فتح لنا طريق السماء . 




* عن ذلك أنظر الرؤى التي شاهدتها القديس أنطونيوس عن مقاومة النفوس الصاعدة إلى السماء من بعد موتها (حياة القديس انطونيوس بقلم أثناسيوس الرسولي 65- 66).

[3] ترجمة شخصية عن http://www.earlychristianwritings.com/text/irenaeus-book5.html . و أود أن أوضح أن كل الترجمات في المقال شخصية ما لم أذكر غير ذلك في المتن.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاص كما تشرحه التسبحة القبطية

شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)

الأصحاح الأول من سفر التكوين ... بين العلم و الكتاب المقدس