رسالة مفتوحة لقداسة البابا تاوضروس الثاني



أبي الحبيب البطريرك تاوضروس الثاني
أقبل يدكم الكريمة و اصلي لأجلكم أنا الضعيف

أكتب هذا الخطاب و أعلم ان قداستكم ربما لن تقرأه، لكنني سأكتب علّ الله يسمح أن تقرأه يومًا ما. أنا شاب ناهز سن الرشد منذ شهور قلائل لكن قلبي يعاني شيخوخة مزمنة. في سنين عمري هذه اختبرت كيف يعيش الإنسان بطبيعة ساقطة و أعتقد ان كثير من أبناء جيلي قد جازوا نفس الاختبار. لم اجد رعاية روحية جيدة مثلي مثل كثيرين و اصبحت و العدم واحدًا. لكن على الناحية الأخرى استطاع أبي أن يربي فيّ حب القراءة فاندفعت اقرأ و أبحث حتى طغى عقلي على قلبي و ادركت أن المعرفة بحر واسع و قد قررت الموت فيه غريقًا لكن للأسف يا أبي أصبحت المعرفة قيدًا يقيد روحي لأني اكلت من شجرة المعرفة دون أن استحسن المعرفة بطهارة الحياة.. فانطفأت فيّ جذوة كنت أظنها لن تنطفأ أبدًا ففي طريقي الروحي عشت انحدارًا مريعًا و على المستوى المعرفي لاقيت العنت و الصدود و تحجر الفكر من كثير ممن هم حولى . في طريقي صادفت القليل ممن أرشدوني ثم غابوا و غاب معهم الطريق. و قابلت الكثير من الباحثين و المفكرين الذين طرحهم جهل المجتمع أرضًا. اكتب إلى قداستك و قلبي يموت ألمًا لولا لمسات من الله حانيات تحي ما في القلب من موات و لولاها لكنت الآن تهت بعيدًا عن قطيع الرب. أحببت البحث في طقوس الكنيسة و وجدت فيها شبع الروح و الجسد أحيانًا، و جدت فيها العمق و الهداية كما وجدت فيها الغث الذي اتمنى ان يُنقح يومًا لتعود الليتورجيا صافية شافية. اهتم يا أبت برعاية قطيع المسيح و عين الاكليروس الذين يملكون من العلم الروحي و اللاهوتي ما يمكنهم من رعاية الشعب. فلقد صادفت في طريقي من يحملون رتبة اكليروسية لكنهم أردأ مني حالاً !!!  

قطيع المسيح يتشتت و  الرعاة نيام لولا أن الله أبونا لم يقدم استقالته من الكنيسة لصرنا مثل سدوم و شابهنا عمورة. اعمل يا ابت على تشجيع البحث و الباحثين فهم الأمل في غد أفضل هو الامل في محو كثرة من الخطايا إذا كان التعليم بمحبة. أعمل على ازكاء روح البحث و استعمال العقل في الكنيسة. تجول يا سيدي بين افراد الشعب لترَ شخصيات القديسين و قد احتلت مكانًا لا يجب إلا للرب يسوع المسيح وحده. و أصبح طلب شفاعة القديسين أسهل من الطلب المباشر من الله و كأن المؤمن يتلمس وسيطًا ليتعامل مع الوسيط الوحيد بين الله و الناس.

أعمل في حقل الخدمة منذ بضع السنين، و لأني أعلم ضعفي جيدًا فلطالما صليت بكلمات الأب متى المسكين قائلاً ‘‘يا رب عبدك ذئب، لو سبته على الغنم حياكلهم’’. في حقل الخدمة تعاملت مع الله و الناس بشكل حقيقي و رأيت عجائب الله التي صنعها بواسطتي في افتقاد حياة كثيرين. و حينها ادركت ان مازال لي مكانًا في ملكوت الله، ملكوت المحبة و الأبوة. يرى الناس في كثير ممما اكتبه أو أتكلم به محبة فياضة ولا أعلم إن كانت هذه المحبة هى صدى نعمة الله في حياتي أم هي رشاقة قلم ناتجة عن كثرة المعلومات و القراءة. كثيرون يرونني رومانسيًا حالمًا و كثيرون يرونني هاربًا من واقع الحياة لكن هروبي هو للرب يسوع و رجاء ـ اتمنى الاّ يخزى ـ في محبته. 

كلامي يحمل الكثير من التناقض و التشتت و عدم الترتيب فتلك هي حال نفسي، بل لعل قداستكم قد لاحظت كثيرًا  من الجرأة في استخدام صيغة الأمر و لكنها كما يقول اللغويون صيغة أمر للطلب لا عن عجرفة أو تعال. اعتقد أن رسالتي وصلت و فُهِمت جيدًا. اتمنى أن أجد في قداستك الأبوة التي افتقدتها ردح كبير من حياتي و اتمنى أن تكون يد الله التي تضمد جروح الكنيسة. اسلك بنظام و تدقيق و مهابة كما علمتنا دائمًا في كل لقاء تلاقينا به معك أنا و اترابي سواء من خلال اللقاءات السنوية التي كنت تقيمها لطلبة كليتنا أو من خلال محاضرات إعداد الخدام. أخيرًا اذكر وحدة الإيمان و اعمل جاهدًا لتنقضي افتراقات الكنيسة.
أخيرًا أقبل يديك العاملتين في كرم الرب و الحاملتين لجسده و دمه الحقيقين الواهبين الحياة للعالم.

ابنك المصلي لأجلك دائمًا:      
هياكل جديدة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاص كما تشرحه التسبحة القبطية

شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)

الأصحاح الأول من سفر التكوين ... بين العلم و الكتاب المقدس