تأملات صوفية في (اسم الخلاص) الذي لربنا يسوع المسيح (3) الحرف الأول : اليود (י) : السر الثالث


  اليود كرقم :-
اللغة العبرانية ليس فيها نظام ترقيم مستقل لذلك مثلها مثل كثير من اللغات القديمة كانت بتستخدم الحروف كأرقام. و هنا اليود يمثل في نظام الترقيم الرقم (10) .
الرقم (10) بيمثل كمال الله المعُلَن في الخليقة فمثلًا:

·       نرى الله في (تكوين 1) ينطق بـ 10 كلمات من خلالها تأتي الخليقة كلها للوجود. و في (خروج : 20) يعطي الله موسى 10 كلمات تمثل قانون الحياة الروحية لشعب الله الذي بموجبه يسلك العبرانيين حياة كاملة. و في هذا الصدد نجد تلك الملاحظة الصوفية اللامعة في القطعة الأولى من ثيؤطوكية الأحد :
                                            ‘‘ والعشر الكلمات هذه المكتوبة بإصبع الله.
                                  سَبَقَت أن دلّتنا على (اليوتاه) اسم الخلاص الذي ليسوع المسيح’’

اليود أو اليوتاه أو الرقم 10 هنا يمثل اسم الرب يسوع و يعلنه كالكلمة الإلهية الكاملة التي تأتي بها الخليقة إلى الوجود الحَسَن و تسلك في ناموس الله بالكمال.

·    الرقم 10 أيضًا هو رقم اليوم الذي يقع فيه عيد الكفارة اليهودي (10 تشري) و عيد الكفارة (لاويين 16) هو العيد الذي كان يتم فيه تطهير الشعب و تطهير خيمة الاجتماع و الهيكل بعد ذلك من كل ما فيهم من نجاسات و بالتالي تجديد الخليقة بحلول مجد الله على تابوت العهد و تقديسه دم الذبيحة التي يتم رشها على الشعب و المسكن الإلهي بعد ذلك. كما أنه عدد الناس الذين إذا وجِدوا في سدوم و عمورة لرفع الله عنهم دينونته (تكوين18: 32).

اليود هنا إذًا هي رمز الرب يسوع كتطهير و كفارة لخطايانا و نجاسات العالم كلهم و تجديد الخليقة على صورتها الأولى.

·    على مستوى أعمق الرقم 10 هو رقم (العشر سفيروت/ الدوائر و مفردها سفيرا) أو الفيوضات العشر[1] في (سفر ياتصيرا) التي تمثل (الصورة الإلهية/ صورة الله) التي على نموذجها خُلق الإنسان.
من المثير للعجب أن هذه الفيوضات العشر تسمى (آدم القديم/ آدَم قَدمون אָדָם קַדְמוֹן أو آدم العَليّ/ آدَم عِليون אָדָם עֶלִיוֹן) . هو باختصار المكافيء الصوفي Kabbalistic equivalent  للكيان المعروف بـ (اللوغوس Λόγος ) أو الـ (الكلمة الإلهي)عند فيلو السكندري  و التقليد اليوحنوي .
هو  صورة الله في التصوف اليهودي أول من أتى إلى الوجود قبل أي خليقة . و الإنسان الأرضي هو صورة مصغرة (لآدم قدمون)[2].

وصف بولس الرسول ربنا يسوع المسيح بأنه :
                                 ‘‘الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ.’’ (كولوسي 1: 15)
و هو هذا الآدم القديم الذي كان في ذهن بولس الرسول حين كتب أن آدم الأول المخلوق :
                                      ‘‘هُوَ مِثَالُ الآتِي.’’ (رومية 5: 14). أي مثال يسوع المسيح ربنا

فآدم الأول خُلِق على صورة الصورة الإلهية آدم الأرضي ليس هو صورة الآب غير المنظور بل هو صورة الصورة. هذا التقليد حفظه جيدًا التراث الآبائي و جعله أحد ركائز و أسباب الخلاص :

يقول القديس أثناسيوس :-

‘‘فقد جعل لهم نصيبًا فى صورته الذاتى (الذى هو) ربنا يسوع المسيح،وخلقهم على صورته ومثاله   حتى أنه ـ بسبب تلك النعمة ـ فإنهم عندما يرون تلك الصورة أى كلمة الآب،يمكنهم عن طريقه أن يصلوا إلى معرفة الآب’’ (تجسد الكلمة 11: 3، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية).

و يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي :-
 ‘‘كنت شريكًا في صورته، ولم أحافظ على الصورة، والآن قد اشترك في  جسدي، ليجدد فيَّ هذه الصورة،بل ويجعل جسديأيضًا  خالدًا.’’ (عظة 45: 9).

فاليود هنا أيضًا تشير إلى الرب يسوع المسيح كصورة الله غير المنظور ، التصميم الإلهي الأصلي الذي على مثاله خلق الله الإنسان.




·    من المعروف أيضًا أن أحد هذه الفيوضات العشر  و هو الفيض الثاني و المسمى الـ (حكمة) و التي تمثل المعرفة الشاملة. و اليود و هو الحرف الأول من الإسم الإلهي (يهوه) هو رمز صوفي معروف لـ (سفيرا الحكمة)[3].  فسفيرا الحكمة هي (اليود بداخل اليود) أي الحكمة التي بداخل العشر سفيروت او بمعنى آخر هي جانب (المعرفة الشاملة داخل اللوغوس الإلهي).

** سر اليود الثالث إذًا هو سر الكمال الإلهي في المسيح يسوع فهي تمثل الصورة الإلهية التي على مثالها خُلق الإنسان و المعرفة الشاملة التي بها ينشأ الوجود و الكمال و التطهير الإلهي الذي يُجَدد الخليقة و يعطيها جمالها .


[1] السفيروت هي (1- التاج = نقطة الاتصال بين آدم القديم و الله غير الموصوف/ 2- الحكمة = المعرفة الشاملة ، 3- الفهم = تطبيق المعرفة بشكل متخصص/ 4- الرحمة = مبدأ التدفق الدائم flow  / 5- الجبروت = المبدأ الذي يحد التدفق / 6- الجمال = مزيج الرحمة و الجبروت بشكل صحيح يؤدي للوجود و الحياة/ 7- الغلبة = استمرار الجمال و الحياة في الوجود/ 8- الجلال = المخافة الإلهية التي تضبط مسارات الحياة/ 9- الأساس = المبدأ الذي يحفظ ثبات الحياة و الوجود و استمراريته/ 10- الملكوت =  نقطة اتصال التسع سفيروت بالعالم المخلوق ).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاص كما تشرحه التسبحة القبطية

شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)

الأصحاح الأول من سفر التكوين ... بين العلم و الكتاب المقدس