اربع طرق لتفسير الكتاب المقدس : مع شرح صوفي لـ (تكوين1 : 1)



طقس الكنيسة بيعلمنا أن (البشارة) زيها زي (الخبز و الخمر) مكانها المذبح و قاريء الإنجيل يتناول البشارة من يد الكاهن كما يتناول الإفخارستيا تمامًا. لأن النص مش حبيس ظرفه و زمنه فقط . مكنون النص الحقيقي هو نتاج تفاعل الإنسان مع الروح القدس. ممكن اثنين يسمعوا نفس النص لكن كل واحد يتصرف تصرف مختلف و يبني سردية مختلفة يعيش حياته على أساسها. 
حكماء اليهود بيقولوا أن التوراة لها (سبعين وجه) يعني ممكن تفسر نفس النص بسبعين طريقة مختلفة و كلهم (صح).
دور الـ (تقليد) هو انه يكون الحد اللي بيفصل بين الحق و الهرطقة مش انه يكون السيف اللي بيمنع عمل الروح القدس في الإنسان.

علشان كده التفسير الكتابي أغلبه بيتم من خلال اربع مستويات كلهم متساويين تقريبًا في الأهمية. 
و حدي مثال على كل واحد من الانواع دي من خلال اول آية في الكتاب المقدس كله {فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} (تكوين 1: 1).

·       التفسير الأول هو التفسير (البسيط) : و ده بياخد النص زي ما هو كده و بيفهمه بالشكل الابسط ليه و هو أن [السماوات و الارض ليها خالق هو الله مش كيانات موجودة بذاتها منذ الأزل، و إن السماوات دي عددها كتير لكن الأرض واحدة بس] . و بالمناسبة مش شرط التفسير البسيط يكون هو التفسير الحرفي للنص ممكن يكون النص أصلاً بيستخدم لغة لو حاولت أفهمها حرفيًا أدمر معنى النص، زي مثلا لما أسمع المسيح على الصليب بيقول للعذراء بخصوص التلميذ الحبيب {هوذا ابنك} و يقول لتلميذه {هوذا أمك} .

لو فهمت النص حرفيًا يبقى العذراء كانت مخلفة عيل صغير و تاه منها و بعدين جه المسيح على الصليب علشان يعرفهم على بعض في مشهد درامي زي بتاع الأفلام العربي J

و احنا عارفين إن مش دي الحقيقة خالص.هنا المعنى البسيط للنص أن التلميذ يعتبر العذراء في (مقام أمه) و هي تعتبره في (مقام ابنها).

·       التفسير الثاني هو التفسير (الرمزي) : و ده اللي بيشوف في النص شيء أعمق شوية من المعنى السطحي البسيط المباشر و هو أن النص هو (علامة) زي إشارة المرور أو العلامات المرورية كدة تشوف العلامة فتفهم من وراها رسالة فيبص على النص اللي فوق و يقول إن النص ده رمز أو إشارة لوجود[ (عَالَمَين) من المخلوقاتالعالم الروحي و بترمز له السماوات و العالم المادي و بترمز له الأرض].

·       التفسير الثالث هو التفسير(الدراسي أو التطبيقي): و هو اللي يبص على النص و يستخرج منه حكمة حياتية نافعة. فيجي لأول آية في سفر التكوين و يعرف أن للكون ده (خالق) فيسعى أنه [ يدخل في علاقة معاه على مستوى من المستويات اللي بتنظمها الأديان أو حتى بدون انتماء لدين بعينه].

·       التفسير الرابع هو التفسير (السري/ الصوفي) : و ده أعمق مستوى لقراءة و تفسير النصوص و ليه تفريعات كتير مش كل الناس ممكن تفهمه أو تستوعبه بسهولة من أول مرة لكنه يظل تفسير مقبول من الناحية اللاهوتية بل و يظل هو و التفسير الرمزي الخطين السائدين في تراث الارثوذكسية عموما.

تكوين 1: 1 في اللغة العبرية بيتقرا كده :
{בראשית ברא אלהים את השמים ואת הארץ
بِرِشيت بَرَا إلُهيم إت هَشمَيِّم و إت هَأرِتص}
النوع ده بيمسك النص و يفصصه حتة حتة و يشوف هل الكلمات بتاعة النص ممكن تدي معاني أخرى مفهومة للقاريء العارف و لا لأ. النص اللي فوق ده ممكن يتطبق عليها القاعدة دي بطرق مختلفة.
كمثال ممكن شخص يهودي متبحر في اللغتين العبرية و الآرامية يبص على النص و يفهمه كده
[برشيت = في / بـ "البدء/ الرأس"
بَرَا = ابن [اللغة الآرامية] ، بَرَا = خَلق [اللغة العبرية]
إلُهيم = الله
إت هَشَمَيِّم = السماوات
و إت هَأرتص = و الأرض]

هنا القراءة الصوفية السرية بتاخد الكلمة (برا) على معنيين واحد على إنها فعل عبري بمعنى (خلق) و الثانية على إنها اسم مش فعل بمعنى (الابن).

فتقرا النص كالآتي : {في البدء ابن الله السماوات و الأرض أو بالبدء خلق الله السماوات و الأرض} . و هنا الجملة معناها  الصوفي أن
 [السماوات و الأرض هما في البدء أو بالبدء الذي هو ابن الله] و هنا يظهر في الجملة أن لله (ابن) النص بيسميه (البدء/ الرأس) و من خلاله خلق الله الكون.

القراءة الصوفية الثانية للنص بتاخد الحرفين (ألف و تاف اللي هما أول و آخر حرف في الأبجديتين العبري و الآرامي اللي بيكونوا الكلمة [إت] و هي ضمير إشارة ملهوش ترجمة في النص العربي بمعنى [الأول و الآخر])

فتقرا النص كده {في البدء/ بالبدء، خلق الله : أول و آخر السموات، و أول و آخر الأرض}.
هنا الجملة معناها الصوفي إن {الله الذي هو الأول و الآخر في السموات و على الأرض خلق العالم في / بـ الكيان الثاني اللي اسمه "البدء"}.

أو تقراها كده هو :
{في بـ "البدء" ابن الله أول و آخر السماوات. و أول و آخر الأرض}. 
هنا الجملة معناها الصوفي إن {ابن الله الأول و الآخر في السماوات و الأول و الآخر على الأرض هو في أو بـ "البدء"} فيكون هنا "البدء/ الرأس" هو منبع أو أصل وجود الابن اللي هو الأول و الآخرفي السموات و على الأرض.

لو دققنا كويس و جمعنا كل طرق القراءة الصوفية السرية دي للنص هنا بقى تحدث المفاجأة و نكتشف معنى نصوص لاهوتية عالية أوي منسوبة ليوحنا الحبيب و عملوا مشاكل كتير في الكنيسة بسبب إن القراءة الصوفية للنص اللي استلمتها الكنيسة بالتقليد كانت غايبة عن الهراطقة  .

النص الأولاني :
{1 فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ.2هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ. 3 كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ} (يوحنا 1).
النص الثاني و الثالث هو لقب المسيح طول سفر الرؤيا {أنا هو الأول و الآخر}، و اللقب الآخر للمسيح : {الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ} (رؤيا 3: 14).

المسيح هنا هو اللي الآب خلق الخليقة كلها من خلاله كإبن فهو (بدء / بداءة) الخليقة مش بمعنى انه أول مخلوق زي ما قال أريوس لكن بمعنى أنه الرأس أو البداية أو المنبع اللي اتخلقت بيه الخليقة.

الحاجة الثانية و هي مبدأ لاهوتي شرحه و استفاض في صقله الآباء الكبادوك و هو مبدأ (المونارخيا = وحدة الرأس أو الرئاسة) أي أن الآب هو منبع و أصل الأقنومين الآخرين فهو والد الابن و باثق الروح القدس.



لما تشوف حد بيفسر النص بشكل صوفي/ سري متقلش أنه بيتلاعب في معنى النص أو تاريخيته أو القراءة البسيطة المباشرة له ... لكن هو وصل في دراسته لمستوى عميق جدًا بيكون فيه النص نظارة لرؤية ما وراء عالمنا المادي عشان يتمتع برحابة عالم الروح.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاص كما تشرحه التسبحة القبطية

شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)

الأصحاح الأول من سفر التكوين ... بين العلم و الكتاب المقدس