ما معنى موت الرب يسوع ك(كفَّارة) بحسب استخدام الكلمة في نصوص العهد الجديد


مقدمة :
       موضوع هذه التدوينة هو استكشاف المفهوم القابع وراء الكلمات اليونانية التي تمت ترجمتها في العهد الجديد إلى كلمة (كفَّارة) وما تأثير ذلك على فهمنا لذبيحة الصليب وعمل ربنا يسوع المسيح كمُخّلّص. تعالوا إذا نستكشف هذا المعنى.


هناك ثلاثة نصوص تحديدًا ذكرت الكلمة (كفارة) في العهد الجديد هم :

1-   {{ مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ.}} (رومية 3: 24 - 25)

2-  {{وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا.}} (يوحنا الأولى 2: 1- 2)

3-   {{فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا.}} (يوحنا الأولى 4: 10)

و هناك نص رابع يستخدم الفعل (يُكَفِّر) :

·       {{مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ.}}

و فيما يلي سأقدم شرحًا لمعاني هذه الكلمات :

الكلمات المترجمة (كفارة) هي على التوالي ἱλαστήριον  ، ἱλασμός ، ἱλασμὸν  . و الكلمة المترجمة (يكفر) هي ἱλάσκεσθαι  .

من النظرة الأولى لهذه الكلمات يسعنا أن نسكتشف أن لها جذرًا لغويًا واحدًا. هذا الجذر اللغوي هو الفعل (ἵλεως هيليوس) و معناه (يَرحم أو يَعطف على أو يسامح)[1].

·       للوهلة الأولى إذًا نفهم أن التكفير هو (عمل رحمة) لذلك وصف كاتب رسالة العبرانيين الرب يسوع بأنه (رحيم ἐλεήμων)
فالكاهن الرحيم فقط هو الذي يستطيع أن (يكفر ἱλάσκεσθαι ) الخطايا أي يستجلب رحمة الله على الخاطيء.

هذا الفعل ورد أيضًا بمعنى (حاشا لـ ) مرتين في الترجمة السبعينية للعهد القديم و مرة في العهد الجديد.

المرة الأولى في (صموئيل الثاني 20: 20) حينما أراد يوآب أن يقتل (شبع بن بكري) و الذي ألَّب أسباط إسرائيل على داود و قال أنه حاشا له يهلك المدينة التي يختبيء فيها ‘‘شبع’’ و إنما هو يريده هو فقط.

و الثانية في (أخبار الأيام الأول 11: 11) حينما رفض داود أن يشرب الماء الذي أحضره له أبطاله من معسكر الفلسطينيين لأنه بالنسبة له كالدم إذ أن الرجال خاطروا بحياتهم لأجله.

أما في العهد الجديد فقد استخدمت الكلمة حينما انتهر بطرس الرب يسوع و قال له حاشاك أن تُصلب (متى 16: 22).

·       إذا هذه الزاوية من استخدام الفعل إذًا تشير إلى الامتناع أو الابتعاد عن سفك الدم الذي يرتبط بالعُنف.

هناك استخدام آخر للفعل و إن كان استخدام وحيد ورد خارج الكتاب المقدس. حيث يصف افلاطون مشهد موت سقراط و يقول أنه أخذ كأس السُم بترحاب شديد ‘‘μάλα ἵλεως’’[2].

أخيرًا أود الإشارة إلى أن الكلمة المترجمة (كفارة) في (رومية 3: 25) هي الكلمة اليونانية (هيلاستيريون ἱλαστήριον ).

هذه الكلمة اليونانية التي استخدمتها السبعينية كترجمة لغطاء تابوت العهد (خروج 25 : 17).

غطاء التابوت كان له وظيفة مزدوجة فهو من ناحية عرش ملوكي لحضور الله و مجده في قدس اقداس خيمة الاجتماع (خروج 25: 22).

و من ناحية أخرى هو الموضع الذي يستقبل دم (تيس يهوه) يوم الكفارة الذي ينساب من فوقه مرة اخرى ليجمعه رئيس الكهنة و يرشه على محتويات خيمة الاجتماع و الشعب كعلامة لإعطاء حياة من محضر الله للعالم الميت يالخطيئة. (لاويين 16).

إذا وصف الرب يسوع بأنه (كفارة) يعني أمرين :

·       أنه الشخص الذي فيه يحل الله أو الذي يحمل الحضور الإلهي للعالم.

·       هو الشخص الذبيح الذي من خلال الدم النازل منه تخرج الحياة الإلهية لتطهر العالم من خطاياه.


إذًا جمعنا كل المعلومات السابقة يمكننا إذًا أن نرى في موت المسيح ككفارة عمل رحمة خالص. قام به الرب يسوع طوعًا و بسرور ـ كما قَبل سقراط كأس موته ـ و ذلك لأن الرب يسوع هو نفسه النافذة التي من خلالها يُعطي الآب الحياة للعالم (بدمه).
و إذا كان الله الآب هو الذي قدم الرب يسوع كفَّارة فلا يمكن إذًا أن تقبع خلف هذه التقدمة أو تحيطها رغبة عنف أو غضب من قِبَله.






[2] Plato Phaedo 117b              


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاص كما تشرحه التسبحة القبطية

شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)

الأصحاح الأول من سفر التكوين ... بين العلم و الكتاب المقدس