الرسالة المسيحية ما بين ميلاد قيصرو خبر ميلاد يسوع في لوقا كما فسرته صلاة الصلح في القداس الباسيلي

يطالعنا التاريخ الكنسي بكم الاضطهاد الذي تعرض له المسيحييون له بسبب رفضهم التبخير لقيصر و أوثانه و آلهته. لم تكن المشكلة هي في عبادة يسوع الناصري كإله بل كانت المشكلة في عبادته دون غيره من الآلهة و دون الاعتراف بقيصر كَرَب و إله للإمبراطورية، تلك العبادة التي كانت تمثل علامة خضوع للسلطان الروماني.
 في هذه التدوينة سأقيم مقارنة ما بين ما يُسمَّى بالإنجيل الروماني[1] و صلاة الصلح في القداس الباسيلي بحسب التقليد القبطي[2] باعتبارها التفسير الليتورجي الذي قدمته الكنيسة لخبر الميلاد في إنجيل لوقا. 

الإنجيل الروماني
إنجيل لوقا
صلاة الصلح
أ‌-        { لقد بدا جيدًا ليونانييّ آسيا [الصغرى]، بمشورة الكاهن الأكبر أبولونيوس من مينوفيلوس أزانيتوس:
حيث أن العناية [الإلهية] التي نظمت كل الأشياء، و التي تهتم جدًا بحياتنا. قد أقامت بأكمل نظام بمنحنا سيباستوس [أغسطس]، ذاك الذي ملئته بالفضيلة لكي ينفع البشر ، مُرسِلَة إياه كـ(مُخَلّص Sotira)  لنا و لنسلنا، لكي ينهي الحرب و يُنظِم كل شيء . و حيث أنه ـ أي قيصر ـ  بـ(ظهوره Epiphannein ) فاق حتى توقعاتنا؛ متقدمًا على سابقيه، دون حتى أن يترك أملًا في أن يتعدى أحد ما فعله. و حيث أم مَولِد الإله أغسطس كان (بداية Archen) الأخبار السارة (إنجيل Evangilion)[3] التي اتت بسببه للعالم ...... . }[4]

ب‌-    {قيصر رب/ Kyrios Caesar}[5]

ت‌-    {قيصر ابن الإله Divi Filius/ Iuos Theo} [6]





أ‌-        {فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا!
فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ Evangilizome  بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصSotir هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّKyrios.............. وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ Irini، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ ».} (لوقا2: 10- 11، 13-14).
ب- {الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. Iuos Theo } (لوقا1: 35)

















أ‌-        يقول الكاهن :
{ يا الله العظيم الأبدي، الذي جبل الإنسان علي غير فساد. والموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس هدمته، بالظهور Ouwonh Evol [7] المحيى الذي لابنك الوحيد الجنس ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسـيــح. وملأت الأرض من السلام Irini الذي من السموات. هذا الذي أجناد الملائـكــة يمجدونك به قائلين: 
"المجد لله في الأعالي، وعلي الأرض السلام، وفي الناس المسرة."}
ب‌-    يقول الشماس :
{ صلوا من أجل السلام الكامل، والمحبة، والقبلة الطاهرة الرسولية.}


يقول الكاهن :

{ بمسرتك يا الله إملأ
قلوبنا من سلامك وطهرنا
من كل دنس ومن كل
غش ومن كل رياء ومن
كل فعل خبيث ومن
تذكار الشر الملبس الموت
وإجعلنا مستحقين كلنا
يا سيدنا أن نقبل
بعضنا بعضاً بقبلة
مقدسة لكي ننال بغير
وقوع في دينونة من
موهبتك غير المائتة السمائية
......إلخ}


مقارنة سريعة ما بين الإنجيل الروماني و إنجيل لوقا يمكنها أن توضح لنا أن لوقا يبشر بيسوع كملك آخر دون قيصر، ملك يحمل نفس الألقاب التي يحملها قيصر (ابن الله، رب، مُخَلّص) إضافة إلى اللقب اليهودي (المسيح)، هذا الملك له رسل [ملائكة] يعلنون (إنجيله)؛ الذي هو السلام على الأرض و المسرة [الرأي الحسن/ المشيئة الحسنة]. 

كان السلام الروماني بالأساس مبني على القوة العسكرية و الأقتصادية و  السياسية فهو سلام يحميه السلاح و يموله المال و تضع السياسة تعريفاته؛ فيوليوس قيصر جلب السلام حين أنهى على بومبي غريمه و أوكتافيوس لم يجلب السلام إلا حينما انتصر انتصارًا مزدوجا على قاتلي خاله يوليوس قيصر ثم على منافسه ماركوس أنطونيوس، و لا ينسى المجتمع الذي وجّه له لوقا بشارته (70 – 90م تقريبًا) أجساد العبيد الثائرين مع سبارتكوس التي انتصبت مصلوبة على جوانب الطريق بين روما و كابوا في سبعينات القرن الأول.

بينما إنجيل السلام الذي أعلنه لوقا و فسرته صلاة الصلح ليتورجيًا  كان من نوع مختلف؛ فالأعداء مختلفون و الحرب و أدواتها مختلفتين تمام الإختلاف؛ و هذا هو موضوعنا. 
أعلنت المسيحية أن عدو الإنسان الحقيقي ليس هو الإنسان أيًا كانت خلفيته أو طباعه و لكن العدو الحقيقي هو الموت ، الموت ليس فقط توقف النبض في الجسد الحي بل الموت هو ذاك العنصر الذي يمكنه أن يأتي بالخليقة (الروحية و الجسدية) إلى نهايتها. لذلك كانت الرسالة المسيحية هي رسالة الحياة  التي توجد في يسوع المسيح.

بعد أن وضحت صلاة الصلح العدو الأساسي الذي أتى المسيح يسوع ليحاربه أي الموت، أردفت أن الموت هو عنصر غريب لم يكن له أن يتواجد في الخليقة و لم يكن ليعرفه الإنسان الذي خُلِق ‘‘على غير فساد’’ أي للخلود لولا حسد إبليس  ‘‘والموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس هدمته’’ هذا ما أشار إليه كاتب سفر الحكمة ‘‘فَانَّ الْلَّهَ خَلَقَ الانْسَانَ خَالِدا وَ صَنَعَهُ عَلَىَ صُوْرَةِ ذَاتِهِ. لَكِنْ بِحَسَدِ ابْلِيْسَ دَخَلَ الْمَوْتُ الَىَّ الْعَالَمِ ’’ (حكمة2: 23- 24).تعلن الصلاة أن هذا العدو قد ‘‘هُدِم’’  مستعملة ألفاظ (مزمور9: 6) : ‘‘اَلْعَدُوُّ تَمَّ خَرَابُهُ إِلَى الأَبَدِ. وَهَدَمْتَ مُدُنًا. بَادَ ذِكْرُهُ نَفْسُهُ.’’.

استخدمت الصلاة لفظة (ظهور) كإشارة إلى كل خدمة المسيح يسوع على الأرض و كأن مجرد ظهوره أو ميلاده يُعلِن أن خطته لخلاص العالم قد تمت فعليًا؛ لأن مولده قد وضع خطته و إنجيله موضع التنفيذ. نجد الإنجيل الروماني يستعمل لفظة (ظهور Epiphania/) عن ميلاد قيصر بنفس هذا المعنى عينه ‘‘مَولِد الإله أغسطس كان بداية الأخبار السارة التي اتت بسببه للعالم ...... . ’’ (Priene Inscription  ).

مقارنة أخرى ما بين قيصر الذي ‘‘أنهى الحرب’’ و يسوع الذي رافق بشارته ‘‘السلام على الأرض’’ كما هو مُطبّق ليتورجيًا توضح لنا ماذا يعنيه السلام المسيحي كرسالة حياة يمكنها أن تنتصر على العدو الأساسي للإنسان أي الموت؛ تعالوا ننظر معًا كيف أنهى أغسطس قيصر  الحرب. لقد  أنهاها بافتعال حربين على الأقل أخضع فيهما أعداءه ثم مات و أتى خلفاؤه بالحرب تلو الأخرى ليضمنوا استقرار الحُكْم. إذًا فقد أنهى قيصر الحرب على جثث القتلى.

لكن رسالة ‘‘السلام’’ المسيحية كرسالة حياة يلخصها مَرَد الشماس ‘‘صلوا من أجل السلام الكامل و المحبة و القبلة الطاهرة الرسولية’’ أي أن رسالة المسيحية هي سلام كامل لا تشوبه شائبة؛ سلام قائم على المحبة حيث ظاهر الإنسان كما باطنه، حيث يُقَبّل الإنسان أخاه طاهرًا ‘‘من كل دنس ومن كل غش ومن كل رياء ومن كل فعل خبيث ومن تذكار الشر المُلبِس [الحامل] الموت’’. هذا السلام الذي عاش من أجله المسيح يسوع حتى فقد حياته على الصليب رافضًا أن يستعين بجند السماء لمؤازرته (متى26: 53). 

هذا السلام الذي يسود الجماعة المسيحية يمثل نظرة الله الراديكالية للسلام في عالمنا اليوم كما بشر بها يسوع و علَّمها و عَّلم بها تلاميذه. هذا السلام الذي لابد و أن يصبح منظورًا في مجموعة من البشر ـ هم نحن ـ يعيشون في مجتمع دون حرب أو نزاع أو خصومة. هذا السلام الذي لخصه يوحنا في رسالته قائلاً ‘‘نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ. كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ.’’ (يوحنا الأولى3: 14- 15).

فرسالة ‘‘الحياة’’ المسيحية تتلخص في مجتمع يعيش ‘‘سلام كامل و محبة و قبلة طاهرة’’  و كان التحذير الأول للمسيحيين كمجتمع هو أن السلام لا يأتي بالسيف و القوة بل يأتي بالمحبة و من لم يحب فهو قاتل و مجرم. إن المهمة التي تقع علينا اليوم كمسيحيين في عالم يموج بالحروب خصوصًا في منطقتنا العربية هو أن تصير الكنيسة كمجتمع شهادة حية للسلام الذي يريده الله للعالم كله؛ لأنه ‘‘إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ. وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ، وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلَسْتُ شَيْئًا. وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئًا.’’  (كورنثوس الأولى13: 1- 3).

إن لم نحمل كمسيحيين على عاتقنا عبء الشهادة لرسالة  ‘‘السلام’’ و ‘‘المحبة’’ التي أتى بها ميلاد يسوع ربنا و ظهوره بيننا فننحن ننكر أنه ‘‘ربنا و إلهنا و مُخلصنا’’ و ما زلنا نعترف بقيصر ‘‘ربًا و إلهًا و مُخلّصًا’’ و مازلنا ننتظره أن ينهي الحرب في أرضنا بأسنة الرماح و صليل الصوارم المضرجة بدماء القتلى تاركين للموت الفرصة أن يخيم بظله على أرضنا. و الأهم من ذلك أنه سيفوتنا موكب سلام يسوع الآتي لا محالة.

عيد ميلاد مجيد
مايكل ميلاد
3/1/2015


 


[1] المقصود بالإنجيل الروماني هو خبر تولي القيصر للعرش، أو انتصاره في أحد حروبه.
[2] هناك عدة قداسات منسوبة للقديس باسيليوس أسقف قيصرية الكبادوك في الطقوس البيزنطية و السريانية و الأرمينية.
[3] استهل كاتب بشارة مرقس كتابه بصيغة مشابهة : {بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله Arxi Tou evangiliou Isou Christou Iou Theo  }
[4] اقتبست هنا جزء من النص المعروف بـ Priene Inscription  و هو يعود لعام 9ق.م. و قد وجد أثناء الحفائر الأثرية في سوق بلدة Priene بتركيا حاليًا. و هو يصف أوكتافيوس قيصر الذي ولِد في عهده ربنا يسوع المسيح. و الترجمة العربية هنا مأخوذة عن Craig A. Evans, Mark’s Incipit and the Priene Calendar Inscription :
From Jewish Gospel to Greco-Roman Gospel, Trinity Western University. و ستجدها على :
[5] كان الاعتراف بقيصر كرب للإمبراطورية علامة الولاء له أنظر GORDON D. F EE, Pauline Christology: An Exegetical-Theological Study, Hendrickson Publishers, Inc., 2007,p124
[6] نقش كثيرًا ما نجده على العملات التي تعود لعصر أوكتافيوس أغسطس قيصر أنظر مثلاً  http://www.utexas.edu/courses/ancientfilmCC304/lecture23/detail.php?linenum=9
[7] في مخطوطات العصور الوسطى اليونانية لهذه القطعة (مثلاً مخطوطتي باريس و كسمارسك و تعودان للقرن 14م) تُستخدم الكلمة اليونانية (Parosias) [أنظر: القداس الباسيلي النص اليوناني مع الترجمة العربية، إعداد الراهب إبيفانيوس المقاري، الطبعة الاولى 2012، ص ] وهي أيضًا تعني (ظهور) لكن غالبًا بعد غيبة و استخدمت في العهد الجديد كإشارة لمجيء المسيح الثاني (أنظر مثلا: كورنثوس الأولى1: 7، تسالونيكي الثانية1: 7، بطرس الأولى1 : 7، 13)، و لكن هذا المعنى لا يلائم المقصود هنا و هو ميلاد المسيح و خدمته على الأرض. لكن الكلمة القبطية ( Ouwonh Evol) يمكن أن تترجم إلى اليونانية (Epiphania/ Parosia) و اعتقد أنه من الأنسب أن تكون ترجمة للكلمة (Epiphania) إذ أن الإبيفانيا في الاستخدام الليتورجي اقترنت بعيدي (الميلاد و العِماد). كما أن الترجمة القبطية ل(متى13: 26، يوحنا3: 21، رومية1: 19، كورنثوس الأولى3: 13، 14: 25، أفسس3: 5فيليبي2: 11، رؤيا3: 18) تستخدم (Ouwonh Evol) [أنظر: قاموس اللغة القبطية للهجتين البحيرية و الصعيدية قبطي عربي، جمع و ترتيب معوض داود عبد النور، الطبعة الثانية، ص271] حيث النص اليوناني يستخدم أحد مشتقات الفعل (Phaino)  الذي يعني يظهر وهو ذات الجذر المشتقة منه كلمة (Epiphania).




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاص كما تشرحه التسبحة القبطية

شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)

الأصحاح الأول من سفر التكوين ... بين العلم و الكتاب المقدس