تفسير (كولوسي1: 15- 20)

أقدم هذا المقال باعتباره محاولة تفسيرية لـ (كولوسي1: 15- 20) اقوم بها كقاريء غير متخصص في دراسات العهد الجديد او دراسات بولس الرسول. و اعتمدت فيها بشكل اساسي على معرفتي المتواضعة بالكتاب المقدس و سأدون هنا ما وصلت اليه في دراستي لهذه المقطوعة اللاهوتية بشكل مستقل،
و بذلك سأعمل على توضيح ما يلي : 

1-     يخاطب النص الرب يسوع المسيح باعتباره ابن الله و مولوده البكر  قبل كل الخلائق و الذي به صنع كل ما في العالم، و الذي به أيضًا يتحقق التناغم و التوازن في العالم، و كل هذا اعتمادًا على وصف الرب يسوع بالأوصاف التي نُسبت للحكمة في (أمثال8).

2-      يؤكد النص أنه حصلت ولادة لخليقة جديدة كان بدايتها هي ولادة يسوع بقيامته من الأموات و تنصيبه ملكًا على كل الخليقة و قد حقق مرة أخرى ذلك التناغم و السلام الكوني من خلال تقديم نفسه ذبيحة على الصليب.

3-     يستخدم النص كلمات يونانية عديدة تحمل كلها معنى كلمة (الرأس) العبرية. للحديث عن المسيح بما تحمله هذه الكلمة من إمارات الأولية و السيادة و البداية و الأصل فيما يتعلق بالخليقة و القديمة (الكون) و الخليقة الجديدة (الكنيسة).
 
 هذا وسأضع بعض مراجع تفسير الرسالة في نهاية المقال و هي متوفرة على الانترنت لمن يحب الاطلاع عليها. 

و ها هي القطعة موضع النقاش : 

‘‘15 هو صُورَةُ {أيقونة} اللهِ الَّذي لا يُرى وبِكْرُ  πρωτότοκος  كُلِّ خَليقَة[1]. 16ففيه خُلِقَ كُلُّ شيَء مِمَّا في السَّمَواتِ ومِمَّا في الأَرْض ما يُرى وما لا يُرى أَأَصْحابَ عَرْشٍ كانوا أَم سِيادَةٍ أَم رِئاسةٍ أَم سُلْطان كُلُّ شيَءٍ خُلِقَ بِه ولَه. 17 هو قَبْلَ كُلِّ شيَء وبِه قِوامُ كُلِّ شيَء. 18 وهو رَأسُ الجَسَد أي رَأسُ الكَنيسة. هو البَدْءُ والبِكْرُ مِن بَينِ الأَموات لِتَكونَ لَه الأَوَّلِيَّةُ في كُلِّ شيَء. 19فقَد حَسُنَ لَدى الله أَن يَحِلَّ بِه الكَمالُ كُلُّه. 20 وأَن يُصالِحَ بِه ومِن أَجلِه كُلَّ موجود مِمَّا في الأَرْضِ ومِمَّا في السَّمَوات وقَد حَقَّقَ السَّلامَ بِدَمِ صَليبِه.’’(كولوسي1: 15- 20/ الترجمة اليسوعية الكاثوليكية[2])

يُجمع علماء الكتاب المقدس على أن هذه القطعة غالبا كانت لحنًا مستخدمًا في الكنيسة الأولى أو أن كلماتها كانت جزء من لحن ليتورجي معروف. و هي تمثل قطعة لاهوتية ولا اروع تشرح أولية المسيح وسيادته سواء على الخليقة القديمة أو الخليقة الجديدة التي بدأت بقيامته. 

يصف اللحن هنا شخصية الرب يسوع المسيح باعتباره الوجه المرئي لله غير المنظور[3]، و لا يسعنا هنا إلا أن نفهم إشارة الرسول إلى وجود المسيح السابق على تجسده خصوصًا و انه قدر أشار للرب يسوع في إطار تقليد الحكمة المشهور في العهد القديم، و أول ما يتبادر إلى ذهن السامع هو نص ‘‘اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ مُنْذُ الْقِدَمِ’’ (أمثال 8: 22)، ويرجع الجدل حول كيفية ترجمة كلمة ‘‘قناني’’ العبرية إلى عصر الصراع الاريوسي حيث استخدم الاريوسيون النسخة السبعينية التي تترجم الفعل إلى ‘‘خلقني’’ لتدعيم فكرتهم حول خلق الابن بواسطة الآب.  رغم أني الفعل يمكن ترجمته إلى ‘‘اقتناني/ حازني’’[4] مثلما هو المعنى الأقرب في (تكوين4: 1)[5] و (تثنية32: 6)[6] أي معنى {الولادة و الحَمْل} دون الحديث عن الخلقة من الاساس. لكن هناك مقطع كتابي آخر  في سفر أيوب يستلهم نفس لغة الأمثال و لكن هذه المرة يوصف [الإنسان الأول] بصفات الحكمة التي تذكرها عن نفسها في الأمثال و هاكم النصين متجاورين[7]:


أيوب15: 7- 9
أمثال8: 22- 30
يقول اليفاز التيماني لأيوب :
‘‘أَلَعَلَّكَ [وُلدتَ/ תִּוָּלֵד/ ἐγενήθης] أَوَّلَ [رأس/ הֲרִאישֹׁון/ πρῶτος] البَشَر אָדָם


أَم أُبدءتَ قَبلَ التِّلال؟

أَلَعَلَّكَ أصغَيتَ في مَجلِسِ الله
أَم قدِ احتَكَرتَ الحِكمَة؟’’
و تقول الحكمة عن نفسها :
‘‘اَلرَّبُّ [قَنَانِي/ קָנָנִי] أَوَّلَ [رأس/ רֵאשִׁית/ ἀρχὴν] طَرِيقِهِ،  مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ مُنْذُ الْقِدَمِ.
 مُنْذُ الأَزَلِ مُسِحْتُ مُنْذُ الْبَدْءِ مُنْذُ أَوَائِلِ الأَرْضِ...................،مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ الْجِبَالُ، قَبْلَ التِّلاَلِ أُبْدِئْتُ. ...............................، كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعاً وَكُنْتُ كُلَّ يَوْمٍ لَذَّتَهُ، فَرِحَةً دَائِماً قُدَّامَهُ.’’
    

هنا مقارنة بسيطة بين المقطعين الأولين في كلا النصين سيعطي ايضاحًا مباشرًا للمعنى لا تخطئه عين القاريء و هو أن الفعل (ق ن ى) العبري هنا هو أقرب بالفعل إلى لغة الولادة[8]، يدعم هذه المقاربة للفعلين استخدام الكلمة العبرية ‘‘أُبدِئت/ חוֹלָלְתִּי’’ في سفر الأمثال و ‘‘أُبدِئتَ/ חוֹלָלְתָּ’’ في سفر أيوب، و هو فعل عبري يعطي معنى (المخاض/ الألم) أثناء الولادة[9] و هو المعنى الذي لم تخطئه قريحة مترجم سفر الأمثال في السبعينية[10]؛ فتُرجم الفعل إلى ‘‘γεννᾷ με/ ولدني [أي الله]’’ في (أمثال 8: 25). 

و بناء على ما سبق نجد أن استعمال لفظة‘‘ πρωτότοκος’’  في اللحن و التي تترجم ‘‘’بكر’ أو ‘‘المولود الأول’’ كان موفقًا لا فقط بناء على الإشارة للحكمة في (أمثال 8 ) لكن لأن المولود البكر هو (صورة / أيقونة) والده[11]. و كلمة ‘‘بِكر ’’ بكل ما تحمله من ثقل ديني و اجتماعي في العهد القديم يمكن أن تلخصه بركة يعقوب لرأوبين ‘‘رأُوبين، أَنت بِكْري בְּכֹרִי قُوَّتي وأَوَّلُ [رأس/ רֵאשִׁית] رُجولَتي. فاضِلٌ في الشُّموخ، فاضِلٌ في العِزّ.’’ (تكوين49: 3)، لذلك فجمع كلمة (البكر)  مع كلمة (صورة الله) يعطي ثقلاً لاهوتيًا لوضع يسوع المسيح باعتباره الرأس و الحكمة الذي خلق به الله العالم[12]

ثم يشير اللحن بعد ذلك إلى أنه في المسيح (في الرأس/ في البدء)[13] خُلِقَت كل الخليقة، و به خُلقت[14]  . و هي إشارة فنية إلى دور الحكمة في (أمثال8: 30) كـ ‘‘صانع ماهر/  אמון’’ و هي الكلمة التي ترجمتها السبعينية ‘‘ἁρμόζουσα’’ من الفعل الذي يعني (يجعل كل الاشياء في تناغم أو توافق/ يصنع الاشياء بحرفية عالية)[15]، و أيضًا الإشارة إلى (مزمور104: 24) حيث يخاطب المرنم الله قائلاً أنه صنع كل أعماله بحكمة.  و يشير النص بعد ذلك إلى المسيح باعتباره الهدف الأسمى أو المسعى الأخير لكل الخليقة سواء في السموات أو ما في الأرض حيث أن كل الخليقة قد خلِقَت ‘‘له’’. نرى بولس يستخدم نفس الفكرة أي انجماع الخليقة في ‘‘رأسها’’ أو  ‘‘مبدئها الأول’’  في رسالة أخرى هي رسالة أفسس[16] حيث يقول عن عمل الآب في المسيح ‘‘لِيَسيرَ بِالأَزمِنَةِ إِلى تَمامِها فيَجمعَ تَحتَ رأسٍ واحِدٍ  ἀνακεφαλαιώσασθαι هو المسيح كُلَّ شَيء ما في السَّمواتِ وما في الأَرْض.’’ (أفسس1: 10) فكما أن الخليقة خُلِقت في الرأس فإنه لأمر طبيعي أن تعود في النهاية إلى رأسها مرة أخرى.[17] بل إن حياة المسيحي هي سعي للوصول إلى صورة الرأس الذي هو المسيح (أفسس4: 15). 

ثم بعد ذلك يُجمل اللحن كل الفقرة السابقة بالعدد 17 مؤكدًا أسبقية الرب يسوع المسيح على الخليقة و أنه هو الرابط الذي يجمع الخليقة كلها في تناغم و توافق.

بعد ذلك ينتقل اللحن من وصف الخليقة القديمة أو الخليقة الأولى إلى وصف الخليقة الجديدة التي بدئت بقيامة المسيح له المجد من بين الأموات؛ فيتابع اللحن استخدام لغة (الرأس/ κεφαλὴ) في الحديث عن علاقة المسيح بالكنيسة فيصفه النص بأنه رأس لجسد هو الكنيسة و هي علاقة توسع بولس في شرحها في رسائل أخرى له؛  فيصفها بالمقابلة مع علاقة الرجل بالمرأة أو آدم بحواء (كورنثوس الأولى11: 3[18]، أفسس 5: 23[19]) حيث أن حواء خرجت من جنب آدم أي أنها في الأصل عضو في جسد آدم من لحمه و من عظامه فكذلك أيضًا الكنيسة و مؤمنيها (أفسس5: 30 [20]، رومية12: 5 [21]). و قد أعطى بولس هذه العلاقة ملمحًا أفخارستيًا حين قال ‘‘فلمَّا كانَ هُناكَ خُبزٌ واحِد، فنَحنُ على كَثرَتِنا جَسَدٌ واحِد، لأَنَّنا نَشتَرِكُ كُلُّنا في هذا الخُبْزِ الواحِد.’’ (كورنثوس الأولى 10: 17) فكما أن المرأة كعضو خرجت من جسد هو آدم كذلك الكنيسة خرجت من جسد الرب المبذول على مائدة المحبة لغفران الخطايا.

و ربما هذا هو ما جعل بولس الرسول يقول في موضع آخر من نفس الرسالة ‘‘ فلا يَحكُمَنَّ علَيكم أَحَدٌ في المَأكولِ والمَشروب أَو في الأَعيادِ والأَهِلَّةِ والسُّبوت، فما هذه إِلاَّ ظِلُّ الأُمورِ المُستَقبَلة، أَمَّا الحَقيقَةُ فهي جَسَدُ المسيح. ولا يَحرِمَنَّكم أَحَدٌ إِيَّاها رَغبَةً مِنه في التَّخَشعُّ وفي التَّعبُّدِ لِلمَلائِكَة، فهو يُنعِمُ النَّظَرَ فيما يراه، وذِهنُه البَشَرِيُّ يَجعَلُه يَنتَفِخُ مِنَ الكِبرِياءِ بِأَوهامِه، غيرَ مُتَمَسِّكٍ بِالرأسِ الَّذي بِه الجَسَدُ كُلُّه، بما فيه مِن أَوصالٍ ومفاصِلَ يَلتَحِمُ بِها، يَنمو النُّمُوَّ الَّذي يأتيه مِنَ الله.’’ (كولوسي2: 16- 19)
و يكمل اللحن أكثر في شرح هذه العلاقة بناء على قيامة المسيح من الأموات فيصفه بانه ‘‘البدء ἀρχή[22]’’ و أنه أيضًا ‘‘البكر πρωτότοκος’ من بين الأموات. 

و قد استخدم بولس الرسول لغة الولادة أيضًا في الحديث عن قيامة المسيح؛ ففي عظته التي ألقاها في مجمع أنطاكية بيسيدية عن المسيح يقول بولس : ‘‘غَيرَ أَنَّ اللهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات،  فتَراءَى أَيَّامًا كَثيرةً لِلَّذينَ صَعِدوا معَه مِنَ الجَليلِ إِلى أُورَشَليم. وهُمُ الآنَ شُهودٌ له عِندَ الشَّعب. «ونَحنُ أَيضًا نُبَشِّرُكُم بِأَنَّ ما وُعِدَ بِه آباؤُنا . قد أَتَمَّه اللّهُ لَنا نَحنُ أَبناءَهُم، إِذ أَقامَ يَسوعَ كما كُتِبَ في المَزمورِ الثَّاني: أَنتَ ابني، وَأَنا اليَومَ وَلَدتُكَ’’ (أعمال 13: 30- 33)
 و المزمور الثاني هو مزمور مسح الملك الداودي على أورشليم ليكون ذا سلطان شامل على الأرض كلها ‘‘«إِنِّي مَسَحتُ مَلِكي على جَبَلي المُقَدَّسِ صِهْيون». أُعلِنُ حُكمَ الرَّبّ: «قالَ لي: أَنتَ اْبني وأَنا اليَومَ وَلَدتُكَ. سَلْني فأُعطيَكَ الأمَمَ ميراثًا وأَقاصِيَ الأَرض مِلْكًا. بِعَصًا مِن حديدٍ تُكَسّرهم وكإِناءِ خزَافٍ تُحَطًّمُهم»’’ (مزمور2: 6- 9)، و مسحه كابن لله و كبكر لملوك الأرض ‘‘فأَجعَلُ على البَحر ِيَدَه وعلى الأَنهارِ يَمينَه. يَدْعوني قائلاً: «أَنتَ أبي وإِلهي وصَخرَةُ خَلاصي».  وأَنا أَجعَلُه بِكْرًا فَوقَ مُلوكِ الأَرضِ عَلِيًّا. (مزمور89: 26- 28)[23]

فيسوع كمولود الله الأول و كملك و بكر أول  للخليقة القديمة أصبح بالقيامة هو أيضًا بكر الخليقة الجديدة و مولود الله الأول فيها أيضًا، فلقد مسحه الله ملكًا فوق كل عرش و رئاسة؛ إذ قد ولده من رَحِم الفجر [24] (مزمور110: 3) و بذلك صارت له الأو لية في كل شيء في القديم و الجديد (كولوسي1: 18).

ثم  يؤكد اللحن بعد ذلك أن المسيح حل  فيه كل الـ‘‘الملء/ الكمال πλήρωμα’’. و تعد لفظة ملء أو كمال أحد الألفاظ المشتركة بين رسالتي أفسس و كولوسي  و هي في أفسس تتخذ معان مختلفة[25] كما أنها أحد الألفاظ التي وصِف بها اللوجوس في (يوحنا1: 14) إذ قيل أن ‘‘مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ’’ و أن المؤمنين جميعًا قد أخذوا من هذا الملء (يوحنا1: 16). و لكن يعطينا (كولوسي2: 9)  فهمًا واضحًا للمعنى المقصود في اللحن إذ يقول الرسول عن المسيح ‘‘ففِيه يَحِلُّ جَميعُ كَمالِ πλήρωμα الأُلوهِيَّةِ حُلولا جَسَدِيًّا’’، فلقد أصبح جسد يسوع نفسه ـ و بالتالي الكنيسةـ  هيكلاً لحلول الله بالكلية[26]. و نجد في هذا تأكيد ثان على أن يسوع هو الصورة المنظورة لله غير المنظور.

  و حيث أن الله قد حل في جسد المسيح كهيكل أصبح جسد المسيح الآن هو الواسطة التي يصالح بها الله العالم لنفسه من خلال المسيح. و كما أن تقديم الذبائح الدموية في الهيكل كانت وسيلة و غفران للخطايا  في القديم و مصالحة و التقاء بين الله و الناس و الخليقة كلها ما في السماوات و ما على الأرض ؛ فإن دم المسيح كذبيحة قد قدمه على الصليب و أصبح هو نفسه واسطة المصالحة بين الله و الناس؛ إذ قد صار هو الهيكل و الذبيحة بآن معًا. و كما أن يسوع باعتباره الحكمة قد حفظ تناغم و توازن الكون قديما فهو بصليبه كذبيحة و هيكل لله قد حفظ توازن و سلام الخليقة الجديدة.

على هامش اللحن :

كانت عبادة الأمبراطور الروماني قد بدأت تفرض نفسها بقوة على المسكونة في وقت انتشار الكرازة المسيحية. و لقد كانت منطقة آسيا الصغرى حيث الكنائس السبع  التي يخاطبها سفر الرؤيا و حيث تقع كولوسي تشكل أحد المراكز لهذه العبادة، و قد صاحب تلك العبادة انتشار لمفهوم ‘‘السلام الروماني/ Pax Romana’’ و هو حالة الاستقرار و الرخاء السياسي و الاقتصادي بعيدًا عن الحروب و النزاعات و الدمار[27] و أيضًا السلام بين عالم الآلهة و عالم البشر لأن الأمبراطور هو الوسيط بين البشر و الآلهة[28].

و يمكننا أن نرى في اللحن الذي نحن بصدده ظلاً للمقابلة بين يسوع المسيح باعتباره ابن الله الذي حقق السلام بين السماء و الأرض و الخليقة، و الذي هو فوق كل رئاسة و سلطان ـ بما في ذلك قيصر ـ و له الأولية في كل شيء، و بين هذا السلام الذي يُنسب فيه الفضل للامبراطور الروماني. لقد كان السلام الذي أتى يسوع ليحققه هو سلام مبنى على البذل و على التضحية فوق الصليب لغعطاء حياة للكون، بينما سلام الأمبراطور كان السلام الذي فُرض من خلال المزيد من الصلبان و المزيد من القتلى.

هذه المقابلة بين نوعي السلام الروماني و المسيحي و المقابلة بين الربين يسوع المسيح و قيصر لابد و أنها كانت حاضرة في أذهان سامعي اللحن أثناء العبادة، و كان عقد المقارنة بين قيصر و يسوع المسيح كافية  ليختار المؤمن أي الإلهين أحق بالتبعية من الآخر.

Bibliography


Bruce, F. F. (1984). The Epistles to the Colossians, to Philemon, and to the Ephesians. Wm. B. Eerdmans Publishing.

Wright, N. T. (1986). The Epistles of Paul to the Colossians and to Philemon: An Introduction and commentary. Nicholas Thomas Wright.

Dunn, J. D. (1996). The Epistles to the Colossians and to Philemon: A Commentary on the Greek Text. Wm. B. Eerdmans Publishing.

Blanke, M. B. (2005). The Anchor Yale Bible, Colossians, A New Translation with Introduction and Commentary . (A. B. Beck, Trans.) Yale Univesity Press.

Witherington, B. (2007). The Letters to Philemon, the Colossians, and the Ephesians: A Socio-rhetorical Commentary on the Captivity Epistles. Wm. B. Eerdmans Publishing.

McDonough, S. M. (2009). Christ as creator, Origins of a New Testament Doctrine . Oxford Univesity Press .


[1] يبدو أن هذه الرسالة أو على  الأقل هذا اللحن كان معروفًا في اللاذقية [لاودكية] و هي الكنيسة الأخرى التي أمر بولس أن تُقرأ فيها رسالة كولوسي ـ و قد كانتا متقاربتين جدًا من الناحية الجغرافية ـ فكاتب رؤيا يوحنا يخاطب ملاك الكنيسة هناك قائلاً ‘‘هَذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ/ ρχ خَلِيقَةِ اللهِ.’’ (رؤيا3: 14). و الجدير بالذكر هنا أن كلمة (ρχ) هي ترجمة أخرى محتملة لكلمة [رأس] العبرية و هي الكلمة اليونانية التي استخدمها المترجم السبعيني أيضًا كترجمة لكلمة (أول، رأس/ רֵאשִׁית) في (أمثال 8: 22)
[2] كل الترجمات الكتابية مأخوذة عن الترجمة اليسوعية ما لم يُذكر غير ذلك.
[3] ربما نجد فهمًا مشابهًا لهذا المعنى في مواضع أخرى في الكتاب المقدس منها الرسالة إلى العبرانيين التي تصف الرب يسوع بإنه ‘‘بهاء مجده [الآب] و رسم جوهره [طبيعته الداخلية/ χαρακτρ τς ποστσεως ατο,]’’ (عبرانيين1: 3) و في إنجيل يوحنا ـ كعمل لاحق على رسالتي العبرانيين و كولوسي ـ و الذي يعبر عن اللوجوس الذي تجسد بقوله ‘‘إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه.’’ (يوحنا1: 18)، و قد قال الرب يسوع عن نفسه في نفس الإنجيل‘‘’ مَن رآني رأَى الآب’’  (يوحنا14: 19). و الرسول هنا يؤكد حقيقة يسوع المسيح كالإعلان الكامل عن الله.
[5] وعَرَفَ الإِنسانُ حَوَّاءَ أمرَاَته فحَمَلَت ووَلَدَت قايِن. فقالَت: «قَدِ آقتَنَيتُ رَجُلاً مِن عِندِ الرَّبّ».
[6] هَل تُكَافِئُونَ الرَّبَّ بِهَذَا يَا شَعْباً غَبِيّاً غَيْرَ حَكِيمٍ؟ أَليْسَ هُوَ أَبَاكَ وَمُقْتَنِيَكَ هُوَ عَمِلكَ وَأَنْشَأَكَ؟
[7] الترجمة التي قدمتها هنا في كلا النصين هي خليط من الترجمتين اليسوعية و الفاندايك مراجعة على الأصل العبري.
[8] لدراسة ترجمة الفعل (قناني) إلى (ولدني)  أنظر :
C. F. Burney, Christ as the APXH of creation, JTS 27, 1925/6, PPs160- 177
و يمكن الحصول عليها من هذا الرابط :  http://www.biblicalstudies.org.uk/pdf/jts/027_160.pdf
كما أن النص يعطينا إشارة بعيدة إلى ولادة العالم و التي مطلعها الأصحاح الأول من سفر التكوين ‘فِي الْبَدْءِ [الرأس/ בְּרֵאשִׁית] خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ’’ (تكوين1: 1) و تنتهي بـ ‘‘هَذِهِ مَبَادِئُ [ولادات/ תוֹלְדוֹת] السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حِينَ خُلِقَتْ’’ (تكوين2: 4أ)، و هنا نرى الرأس و الولادة مجتمعين في سيرة الخليقة.
[10] قام المترجم السبعيني لسفر أيوب بترجمة نفس الكلمة العبرية إلى (πάγης/ أُسِست أو ثُبِّتَ) ليوازي ما بين خلقة الإنسان الأول و تثبيت التلال و هو ما أخطأ المعنى العبري الذي يفيد أحيانًا معنى الحركة و الرقص و أيضًا معنى التوجع و التلوي من الألم  (أنظر الروابط في حاشية 9) لا معنى الثبات.
[11] ‘‘هذا كِتابُ سُلالَةِ آدَم: يَومَ خَلَقَ اللهُ الإِنسان، على مِثالِ اللهِ صَنَعَه. ذَكَرًا وأُنْثى خَلَقَهم، وبارَكَهم، وسمَّاهم إِنسانًا يَومَ خُلقوا. وعاشَ آدَمُ مِئَةً وثَلاثينَ سنة، ووَلَدَ وَلَدًا على مِثالِه كَصُورَتِه وسَمَّاه شيتًا.’’ (تكوين5: 1- 3). انظر أيضًا (حكمة سليمان7: 26) حيث توصف حكمة الله بأنها ‘‘اْنعِكاسٌ لِلنَّورِ الأزَليَ ومِرآةٌ صافِيَةٌ لِعَمَلِ الله وصورَةٌ لِصَلاحه.’’ و قابل أيضًا مع (فيلبي2: 6) ‘‘هو الَّذي في صُورةِ [شكل/ μορφ] الله لم يَعُدَّ مُساواتَه للهِ غَنيمَة’’
[12] راجع (كورنثوس الأولى 1: 24 و 30) حيث يكرز بولس الرسول بالمسيح له المجد على أنه حكمة الله، و راجع أيضًا (كولوسي2: 3) حيث يصف الرسول المسيح بأنه ‘‘الذي تَكمُنُ فيهِ جميعُ كُنوزِ الحِكمَةِ والمَعرفَةِ.’’ (الترجمة العربية المشتركة)
[13] C. F. Burney, Christ as the APXH of creation, JTS 27, 1925/6, P 175.
[14] قابل مع (يوحنا1:  3- 4) ‘‘بِه كانَ كُلُّ شَيء وبِدونِه ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان. فيهِ كانَتِ الحَياة والحَياةُ نورُ النَّاس.’’، و (عبرانيين1: 2ب) ‘‘وبِه أَنشَأَ العالَمِين’’
[15] Lust, J., Eynikel, E., & Hauspie, K. (2003). A Greek-English Lexicon of the Septuagint : Revised Edition. Deutsche Bibelgesellschaft: Stuttgart. Strong, J., S.T.D., LL.D. (2009). A Concise Dictionary of the Words in the Greek Testament and The Hebrew Bible (1:16). Bellingham, WA: Logos Research Systems, Inc.
[16] هناك جدل قائم حول صحة نسبة الرسالة إلى مدينة أفسس و ينسبها البعض أيضًا إلى مدينة اللاذقية باعتبار انها الرسالة الأخرى التي أمر بولس بقرائتها في كولوسي و تشترك الرسالتان معًا في25% من محتواهما كما ان الرسالتين تدخلان ضمن رسائل بولس التي كتبها أثناء سجنه ـ و التي من ضمنها فيلبي و فليمون ـ  لذلك فهما تنبعان من نفس الوجدان و الحالة المزاجية التي مر بها بولس أثناء سجنه ؛ أنظر  : الدكتور القس فهيم عزيز ، المدخل إلى العهد الجديد، دار الثقافة المسيحية، القاهرة، 19، ص  489- 492.

[17] قابل مع ‘‘أَنا الأَلِفُ والياء، والأَوَّلُ والآخِر، والبِدايَةُ والنِّهايَة.’’ (رؤيا22: 13)
  [18] ‘‘ولكِنِّي أُريدُ أَن تَعلَموا أَنَّ رأسَ كُلِّ رَجُلٍ هو المَسيح ورأسَ المَرأَةِ هو الرَّجُل ورأسَ المَسيحِ هو الله.’’
[19] ‘‘لأَنَّ الرَّجُلَ رَأسُ المَرأَة كما أَنَّ المسيحَ رَأسُ الكَنيسةِ الَّتي هي جَسَدُه وهو مُخلِّصُها’’
[20] ‘‘فنَحنُ أَعْضاءُ جَسَدِه.’’
[21] ‘‘فكذلِكَ نَحنُ في كَثْرَتِنا جَسَدٌ واحِدٌ في المسيح لأَنَّنا أَعضاءُ بَعضِنا لِبَعْض’’
[22] راجع حاشية (1)
[23] قابل مع (عبرانيين1: 3- 5) ‘‘وبَعدَما قامَ بِالتَّطْهيرِ مِنَ الخَطايا، جَلَسَ عن يَمينِ ذي الجَلالِ في العُلَى، فكانَ أَعظَمَ مِنَ المَلائكَةِ بِمِقْدارِ ما لِلاسمِ الَّذي وَرِثَه مِن فَضْلٍ على أَسمائِهِم. فلِمَن مِنَ المَلائِكَةِ قالَ اللهُ يَومًا: «أَنتَ ابنِي وأَنا اليَومَ وَلَدتُكَ؟» وقالَ أَيضًا: «إِنِّي سَأَكونُ لَه أَبًا وهو يَكونُ لِيَ ابنًا؟».’’ حبث يوازي النص هنا ـ و في باقي الأصحاح ـ  بين قيامة الرب و صعوده و بين مسحه ملكًا و ديانًا على الأرض.
[24] يصف المزمور مسح الملك بزيت المسحة (طل / ندى الحداثة) بلغة الولادة  فيصف الملك بأن الله ولده من رحم الفجر  (راجع اخبار القيامة في متى28: 1، مرقس16:  1، لوقا24: 1، يوحنا 20: 1 ).
[25] (توصف الكنيسة بأنها ‘‘ملء/كمال’’ المسيح  أفسس1:  23، و تُذكر على أنها منتهى قامة المسيحي الروحية إذ يصبح مشابهًا للمسيح أفسس3: 19، و أفسس4: 13 ).
[26] قابل مع (يوحنا2: 21) ‘‘أَمَّا هو فكانَ يَعْني هَيكَلَ جَسَدِه.’’
[27]  Klaus Wengst, Pax Romana and the peace of Jesus Christ, SCM, 1987, P 78. Willard M. Swartley, Covenant of Peace: The Missing Peace in New Testament Theology and Ethics, Wm. B. Eerdmans Publishing, 2006, P37.
[28] Jörg Rüpke,  A Companion to Roman Religion,  John Wiley & Sons, 2011, P310. Robert Turcan, The Gods of Ancient Rome: Religion in Everyday Life from Archaic to Imperial Times, Routledge, 2013, P 138.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاص كما تشرحه التسبحة القبطية

شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)

الأصحاح الأول من سفر التكوين ... بين العلم و الكتاب المقدس