لا ... نحن لا نرث خطيئة أحد

منذ فترة دخلت في مناقشة فيسبوكية مع بعض الأخوة حول موضوع وراثة الخطيئة الجدية و طلبت من محاوري أن يوافيني بالنصوص الكتابية التي تؤيد رأيه في موضوع أننا ورثنا الخطيئة من آدم و قد وعدته بتقديم الرد عليه على المدونة هنا.
 و هذه هي النصوص و تعليقه الهامشي عليها :

{
(ا) [ يغفر الذنب... لكنه لا يبرئ ، بل يجعل ذنب الآباء على الأبناء ] عد14: 18.
(ب) [ الله يخزن إثمه لبنيه ] أى21: 19 .
(ج) [ غافر الإثم ..لكنه لا يبرئ إبراءً ، مفتقد إثم الآباء فى الأبناء ] خر 14: 6و7.
(د) [ نسل الأشرار ينقطع ] مز37: 28 .
(ه) [ أعاقبه ونسله] أر 36: 31 .
(و) [ هأنذا بالإثم صورت ، وبالخطية حبلت بى أمى ] مز51: 5 ،

*  أيوب 14 : 4 مَنْ يُخْرِجُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجِسِ ؟ لاَ أَحَدٌ
أيوب 25 : 4 – 6 فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ وَكَيْفَ يَزْكُو مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ . هُوَذَا نَفْسُ الْقَمَرِ لاَ يُضِيءُ وَالْكَوَاكِبُ غَيْرُ نَقِيَّةٍ فِي عَيْنَيْهِ.. فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّةُ وَابْنُ آدَمَ الدُّودُ .
مز 51 : 5. هَئَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي.
مز 143 : 2. وَلاَ تَدْخُلْ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ عَبْدِكَ فَإِنَّهُ لَنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَكَ حَيٌّ.

* أيوب 21: 19. اَللهُ يَخْزِنُ إِثْمَهُ لِبَنِيهِ. (هنا بمعنى التوريث )

تث 5 : 9. أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَفِي الجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنَ الذِينَ يُبْغِضُونَنِي (هنا بمعنى الإختزان ، ثم العقاب سيأتى على المتمادين ، متى إمتلأ الكيل)

عدد14: 18 يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ ، لكِنَّهُ لا يُبْرِئُ ، بَل يَجْعَلُ ذَنْبَ الآبَاءِ عَلى الأَبْنَاءِ إِلى الجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ. (هنا بمعنى التوريث بوجه مطلق= رو5: 19)

أرميا 32: 18. مُجَازِي ذَنْبِ الآبَاءِ فِي حِضْنِ بَنِيهِمْ بَعْدَهُمُ (هنا بمعنى مزدوج : توريث الخطية ، والعقاب عليها).
رو 5 : 12. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ (الترجمة الدقيقة من اليونانية والقبطية :- أخطأ الجميع به ، وهو ما يتضح كذلك من : رو5: 19)
}

واضح أن صديقي أخذ النصوص Copy, Paste من مكان ما، و لم يكلف نفسه عناء البحث خلف النصوص، و ما أكتبه هنا هو ردي على كلامه .

***********************************

1- نص خروج14 :6، 7

كان أول خطأ سقط فيه صديقي هو اقتباس نص بشاهد خطأ  فالشاهد الصحيح للنص هو  (خروج 34: 7) أما عن النص نفسه و الذي يقدمه صديقي باعتباره دليلا على وراثة الخطيئة  

فمفتاح هذا النص ليس هو الأصحاح 34 من سفر الخروج بل الأصحاح الـ 5 من نفس السفر و ايضا (تث5: 9) . فـ (خروج 20) يقول {4لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. 5لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ} 

 و تحت هذا العنوان الكبير يمكننا أن نضع باقي الاقتباسات النصية في اماكن أخرى من الكتاب المقدس مثل

(خروج34: 7) : {الرَّبُّ قُدَّامَهُ. وَنَادَى الرَّبُّ: «الرَّبُّ إِلَهٌ رَحِيمٌ وَرَأُوفٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الْإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. 7حَافِظُ الْإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الْإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ. وَلَكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً. مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَفِي أَبْنَاءِ الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ».} و من الجدير بالذكر أن السياق النصي هو تجديد العهد على لوحي الشريعة بعد أن كسرهما موسى بسبب عبادة الشعب للعجل الذهبي.

و أيضًا (عد14: 18) : {الرَّبُّ طَوِيلُ الرُّوحِ كَثِيرُ الإِحْسَانِ يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ لكِنَّهُ لا يُبْرِئُ. بَل يَجْعَلُ ذَنْبَ الآبَاءِ عَلى الأَبْنَاءِ إِلى الجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ.}، و السياق النصي لهذا الأقتباس أن الشعب أراد أن يرجع إلى مصر بعد أن عاد الجواسيس من كنعان و أخبروا الناس أنهم لن يستطيعوا دخول الأرض فتمرد الشعب على موسى و هارون و رفض قيادتهما ، فأعلن الله لموسى أن كل الجيل الخارج من مصر و الذي رأى عجائب الله فيها لن يدخل كنعان بل سيدخل كالب و يشوع فقط اللذين آمنا بقوة الرب و مجده. 

و أيضا (أرميا32: 18) : {صَانِعُ الإِحْسَانِ لأُلُوفٍ وَمُجَازِي ذَنْبِ الآبَاءِ فِي حِضْنِ بَنِيهِمْ بَعْدَهُمُ الإِلَهُ الْعَظِيمُ الْجَبَّارُ رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ}. و أما سياق النص هنا هو أن الله سيدفع الإسرائيليين ليد ملك بابل، و النص يذكر أن أرميا وقف ليصلي و في صلاته تذكر أن الله أخرج بني إسرائيل من مصر لكنهم لم يسلكوا في شريعة الرب، فيرد الله عليه و يقول {28لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ. هَئَنَذَا أَدْفَعُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ لِيَدِ الْكِلْدَانِيِّينَ وَلِيَدِ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ فَيَأْخُذُهَا. 29فَيَأْتِي الْكِلْدَانِيُّونَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ فَيُشْعِلُونَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ وَيُحْرِقُونَهَا وَالْبُيُوتَ الَّتِي بَخَّرُوا عَلَى سُطُوحِهَا لِلْبَعْلِ وَسَكَبُوا سَكَائِبَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى لِيُغِيظُونِي. 30لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا صَنَعُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ مُنْذُ صِبَاهُمْ. لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَغَاظُونِي بِعَمَلِ أَيْدِيهِمْ يَقُولُ الرَّبُّ. 31لأَنَّ هَذِهِ الْمَدِينَةَ قَدْ صَارَتْ لِي لِغَضَبِي وَلِغَيْظِي مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ بَنُوهَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ لأَنْزِعَهَا مِنْ أَمَامِ وَجْهِي 32مِنْ أَجْلِ كُلِّ شَرِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا الَّذِي عَمِلُوهُ لِيُغِيظُونِي بِهِ هُمْ وَمُلُوكُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَكَهَنَتُهُمْ وَأَنْبِيَاؤُهُمْ وَرِجَالُ يَهُوذَا وَسُكَّانُ أُورُشَلِيمَ. 33وَقَدْ حَوَّلُوا لِي الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ وَقَدْ عَلَّمْتُهُمْ مُبَكِّراً وَمُعَلِّماً وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِيَقْبَلُوا أَدَباً. 34بَلْ وَضَعُوا مَكْرُهَاتِهِمْ فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي لِيُنَجِّسُوهُ. 35وَبَنُوا الْمُرْتَفِعَاتِ لِلْبَعْلِ الَّتِي فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ لِيُجِيزُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ فِي النَّارِ لِمُولَكَ الأَمْرَ الَّذِي لَمْ أُوصِهِمْ بِهِ وَلاَ صَعِدَ عَلَى قَلْبِي لِيَعْمَلُوا هَذَا الرِّجْسَ لِيَجْعَلُوا يَهُوذَا يُخْطِئُ.} (أر32).

حينما نقرأ هذه الأقتباسات بجانب بعضها يتضح لنا  أن النص له إطار واحد فقط و هو أن الشعب رفض عمل الله و وصاياه و ذهب ليعبد آلهة أخرى.  و لأن الآبناء فعلوا مثل الآباء سيأتي عليهم نفس الشر و الجزاء.
يتأكد  هذا المفهوم  إذا حللنا الاستخدام التقني لمصطلحين هم (إبراء، افتقاد)

فالأول (إبراء) هو مصطلح قانوني ورد مثلا في (تث15: 2) بمعنى ان صاحب الدين لا يطالب برد امواله التي يدين بها غيره له، أي يترك لصاحبه ما عليه من دين فلا يعود يذكره.

أما الثاني فهو مصطلح (افتقاد) و كلمة يفتقد أو يزور
פקד العبرية  تحمل معنى عدائي أو حميم على حسب غرض الزيارة. و يمكن أن  نفهم معناها بوضوح اكثر حينما نقارنها مع (خر4: 31) ان الله {افتقد} شعبه في ارض العبودية بمعنى أنه تركهم زمانًا في الأرض ثم عاد ليتفقد أحوالهم و يخلصهم.

بمقارنة النصوص و تحليلها نفهم أن الموضوع ليس له أي علاقة بوراثة خطايا إنما بالشعب الذي سلك في نفس طريق خطايا آبائه و تركوا الرب فجازاهم الرب بشرورهم. و نرى التطبيق الفعلي لتلك النصوص في تاريخ إسرائيل بالشكل الآتي :

1- الله خلص الآباء من أرض العبودية و حذرهم أن يعصوه و يعبدوا غيره  ... لكن الآباء لم يتعظوا فكان أول تأديب بحيات و بأوبئة ثم أخيرًا بعدم دخول أرض الموعد.

2- الآبناء عرفوا و سلكوا في طريق آبائهم فحينما عاد الرب ليفتقدهم مرة أخرى في أرض الموعد رأى أفعالهم فتذكر خطايا الآباء [لم يبرئهم من ذنبوبهم بل طالبهم بها] و جازى الآبناء العاصين بالسبي و الموت و الحريق. كل هذا في مقابل أنه حفظ رحمته و بركته لمن آمنوا به و سلكوا في وصاياه هم و نسلهم من بعدهم.

بنفس المنطق كال السيد المسيح الويل للفريسيين :  {29وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ، 30وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ.31فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ. 32فَامْلَأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ.} (مت23)

.و قال أنه سيأتي على هذا الجيل دم كل الابرار من اول هابيل إلى زكريا بن برخيا و هنا نلاحظ شيئين أن الدينونة ستأتي على أبناء عاصين لا أبرار بلا ذنب و ثانيهما أن اليهود بحسب الكتاب المقدس هم نسل ابراهيم من شيث لا نسل قايين القاتل فلو أن هناك وراثة خطيئة و مجازاة عليها بالمعنى الحرفي الذي كان يقصده صديقي المحاور فلا وراثة لذنب قايين لأن اليهود ليسوا نسله. لكن اليهود تم مجازاتهم و إعلان دينونتهم لأنهم ساروا بمعرفة في نفس طريق العصيان الذي لآبائهم.

إذًا لا وراثة هنا لخطيئة أو عقاب و إنما الدينونة هي عادلة لأن الكل سلكوا نفس الطريق الرديء الأب و الابن بآن، و عبدوا من ليسوا بآلهة.
***********************************************

2- نص ارميا 36:  31 
 { أعاقبه ونسله}  للمرة التانية يقتبس صديقي المحاور نصًا مقطوعًا من سياقه بل فاقدًا الصلة باقرب كلمات الجملة التي يوجد فيها   فبينما يتوقف اقتباس صديقي عند كلمة ‘نسله’ يكمل نص أرميا فيقول : {هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: لاَ يَكُونُ لَهُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَتَكُونُ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً لِلْحَرِّ نَهَاراً وَلِلْبَرْدِ لَيْلاً. 31وَأُعَاقِبُهُ وَنَسْلَهُ وَعَبِيدَهُ عَلَى إِثْمِهِمْ} .
أي أن الله هنا لن يعاقب نسلاً بذنب ابيهم بل سيعاقب نسلا مخطئًا كأبيه ليس النسل فقط بل العبيد الأثمة ايضًا، و هنا أيضًا لا يوجد ميراث لخطايا أو لعقاب خطايا موروثة.
***********************************
3- نص ايوب 21: 19 .{اَللهُ يَخْزِنُ إِثْمَهُ لِبَنِيهِ} .  
للمرة الثالثة يكرر صديقي نفس الخطأ و يقطع النص من سياقه، فالنص يرُد فيه أيوب على أصحابه الذين أسهبوا في القول بأن الله يعاقب المخطيء بأن يميت ابناءه أي يأخذ الأبناء بذنب أبيهم فيرد أيوب و يقول :  {19اَللهُ يَخْزِنُ إِثْمَهُ لِبَنِيهِ. لِيُجَازِهِ نَفْسَهُ فَيَعْلَمَ. 20لِتَنْظُرْ عَيْنَاهُ هَلاَكَهُ وَمِنْ حُمَةِ الْقَدِيرِ يَشْرَبْ.} لكن هنا ترجمة فاندايك ليست واضحة  لكن بنظرة على ترجمات أخرى نرى بشكل أوضح مقصد أيوب .
{19أيَدَّخرُ اللهُ ذُنوبَهُم لبَنيهِم؟ ليتَهُم يُجازَونَ الآنَ فيَعلَمون، 20يَرَونَ هَلاكَهُم بعُيونِهِم ويتَجرَّعونَ غضَبَ القديرِ. لأَنَّه ما بُغيَتُه في بَيته مِن بَعدِه وقد قُطِعَ عَدَدُ شُهورِه؟ (عربية مشتركة)}، {19أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ يَدَّخِرُ إِثْمَ الشِّرِّيرِ لأَبْنَائِهِ، لاَ! إِنَّهُ يُنْزِلُ الْعِقَابَ بِالأَثِيمِ نَفْسِهِ، فَيَعْلَمُ. 20فَلْيَشْهَدْ هَلاَكَهُ بِعَيْنَيْهِ، وَلْيَجْرَعْ غُصَصَ غَضَبِ الْقَدِيرِ. 21إِذْ مَا بُغْيَتُهُ مِنْ بَيْتِهِ بَعْدَ فَنَائِهِ، وَقَدْ بُتِرَ عَدَدُ شُهُورِ حَيَاتِهِ؟ (كتاب الحياة) }.
 و هذه هي ترجمة
1917    JPS اليهودية:
‘‘
'God layeth up his iniquity for his children ! '--let Him recompense it unto himself, that he may know it.’’  (لاحظ عزيزي علامة التعجب في كلام أيوب).
.هنا أيوب يستنكر على اصحابه قولهم معلنًا أن الله ينبغي بالأولى أن يعاقب صاحب الإثم نفسه لا ابناءه الذين لا ذنب لهم لأنه ماذا ينفع الشرير من مجازاة اولاده طالما انه مات و هو في احسن حال.
 إذا النص ينافي للمرة الثالثة مقصد صديقي منه إذ أيوب يستنكر مقصد صديقي المحاور  بخصوص وراثة الخطيئة و الذنب.  
********************************************
نص (أيوب 25 : 4 – 6 ) {فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ وَكَيْفَ يَزْكُو مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ . هُوَذَا نَفْسُ الْقَمَرِ لاَ يُضِيءُ وَالْكَوَاكِبُ غَيْرُ نَقِيَّةٍ فِي عَيْنَيْهِ.. فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّةُ وَابْنُ آدَمَ الدُّودُ }:
هذا النص لا يتكلم عن أي وراثة للخطيئة بل يقارن حالة المخلوقات بكمال الله و طهره الذي إذا ما قورن بكمال المخلوق ظهر المخلوق ناقصا نجسًا فحتى القمر و الكواكب الذين هم جماد لا يخطئون أو يرثون خطايا غير اطهار في عين الرب.
و يجب أن نلاحظ هنا أن بلدد الشوحي قائل العبارة لا يمثل مرجعية من أي نوع لأن الله أدانه و أصحابه في نهاية السفر (أي42: 7).
نفس المقارنة بين كمال الله و طهره و بين الإنسان يمكن أن تطبق على نص مز 143 : 2 { وَلاَ تَدْخُلْ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ عَبْدِكَ فَإِنَّهُ لَنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَكَ حَيٌّ.} لأن حكم الناموس على الأحياء سيكون حتمًا للدينونة إذ لا يستطيع أحد أن يوفي كمالات الناموس الإلهي. هنا ايضا ليس ذكر لوراثة خطايا بل تأكيد على حالة الإنسان الآنية الساقطة.

*****************************************************

نص مز37: 28  { نسل الأشرار ينقطع } :
هنا أيضًا لا أفهم من أين استشف صديقي موضوع وراثة الخطية فليس هناك في المزمور أي دلالة على ذلك فالمزمور يقول أن الله يبارك في نسل البار فيستمر (راجع تك1: 28، خر1: 19) ، أما نسل الأشرار فينقطع و هذا علامة على أن الله لا يبارك الشر إذ لابد للشر ألاّ يثمر و يتكاثر في الأرض .

*********************************************
نأتي هنا لأهم نصين في ما ذكره صديقي من نصوص العهد القديم (أي 14: 4 و مز51: 5) و قد أعتمد التفسير الآبائي على الأخير في موضوع وراثة الخطية.
نأتي أولاً لنص أيوب و الذي أيضًا ليس فيه أي دلالة على موضوع وراثة الخطيئة فالتعبير الأدبي الذي يستخدمه أيوب يشبه التعبير الذي قاله نثنائيل على المسيح {أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح} (يو1: 46). أيوب هنا لا يقرر حالة توريث خطايا بل يؤكد أن الإناء ينضح بما فيه الأب الشرير سيلد ابنا لن يتعلم من ابيه إلا الشر . ليس ثمة إشارة من قريب أو بعيد لوراثة خطيئة ، 

و لو أراد صديقي تطبيق مقصده في توريث الخطيئة فيجب عليه الاعتراف بان الابن لا يرث فقط خطيئة آدم بل خطايا آبائه كلهم أيضًا.

أما عن النص الذي يمثل حجر الزواية في موضوع وراثة الخطيئة و هو نص مزمور 51: 5 و الذي كرره صديقي في اقتباسين و هذا يؤكد انه نقل النصوص دون تمحيصها. أما عن النص فإنه يقول:

{هأنذا بالإثم صورت ، وبالخطية حبلت بى أمى} : 

لقد كان النص على مدار فترة طويلة مثار جدل و تأويل طويل استغله كثيرون لتأكيد عقيدتهم في وراثة الخطيئة الجدية و كان أولهم المغبوط أغسطينوس أسقف هيبو في صراعه ضد البيلاجية 

و لا اعلم لماذا دائمًا الوراثة هي لخطيئة آدم تحديدًا لا الآباء الجسديين عمومًا طالما أن المبدأ هو وراثة الخطيئة. 

النص الذي أعتمد صديقي عليه هو نص ترجمة فاندايك و لكن واضح أن صديقي لم يطلع على ترجمات أخرى تعكس فهمًا آخر للنص، لكن هذا الفهم الذي يعول عليه صديقي يناقض النص الكتابي الواضح في حزقيال 18:
 {1 وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ: 2«مَا لَكُمْ أَنْتُمْ تَضْرِبُونَ هَذَا الْمَثَلَ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ, قَائِلِينَ: الآبَاءُ أَكَلُوا الْحِصْرِمَ وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ؟ 3حَيٌّ أَنَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ, لاَ يَكُونُ لَكُمْ مِنْ بَعْدُ أَنْ تَضْرِبُوا هَذَا الْمَثَلَ فِي إِسْرَائِيلَ. 4هَا كُلُّ النُّفُوسِ هِيَ لِي. نَفْسُ الأَبِ كَنَفْسِ الاِبْنِ. كِلاَهُمَا لِي. النَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. 5وَالإِنْسَانُ الَّذِي كَانَ بَارّاً وَفَعَلَ حَقّاً وَعَدْلاً, 6لَمْ يَأْكُلْ عَلَى الْجِبَالِ وَلَمْ يَرْفَعْ عَيْنَيْهِ إِلَى أَصْنَامِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ, وَلَمْ يُنَجِّسِ امْرَأَةَ قَرِيبِهِ وَلَمْ يَقْرُبِ امْرَأَةً طَامِثاً, 7وَلَمْ يَظْلِمْ إِنْسَاناً, بَلْ رَدَّ لِلْمَدْيُونِ رَهْنَهُ, وَلَمْ يَغْتَصِبِ اغْتِصَاباً بَلْ بَذَلَ خُبْزَهُ لِلْجَوْعَانِ وَكَسَا الْعُرْيَانَ ثَوْباً, 8وَلَمْ يُعْطِ بِالرِّبَا, وَلَمْ يَأْخُذْ مُرَابَحَةً, وَكَفَّ يَدَهُ عَنِ الْجَوْرِ, وَأَجْرَى الْعَدْلَ الْحَقَّ بَيْنَ الإِنْسَانِ, وَالإِنْسَانِ 9وَسَلَكَ فِي فَرَائِضِي وَحَفِظَ أَحْكَامِي لِيَعْمَلَ بِالْحَقِّ فَهُوَ بَارٌّ. حَيَاةً يَحْيَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 10«فَإِنْ وَلَدَ ابْناً مُعْتَنِفاً سَفَّاكَ دَمٍ, فَفَعَلَ شَيْئاً مِنْ هَذِهِ 11وَلَمْ يَفْعَلْ كُلَّ تِلْكَ, بَلْ أَكَلَ عَلَى الْجِبَالِ وَنَجَّسَ امْرَأَةَ قَرِيبِهِ 12وَظَلَمَ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ, وَاغْتَصَبَ اغْتِصَاباً, وَلَمْ يَرُدَّ الرَّهْنَ, وَقَدْ رَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى الأَصْنَامِ وَفَعَلَ الرِّجْسَ, 13وَأَعْطَى بِالرِّبَا وَأَخَذَ الْمُرَابَحَةَ, أَفَيَحْيَا؟ لاَ يَحْيَا! قَدْ عَمِلَ كُلَّ هَذِهِ الرَّجَاسَاتِ فَمَوْتاً يَمُوتُ. دَمُهُ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ! 14«وَإِنْ وَلَدَ ابْناً رَأَى جَمِيعَ خَطَايَا أَبِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا فَرَآهَا وَلَمْ يَفْعَلْ مِثْلَهَا. 15لَمْ يَأْكُلْ عَلَى الْجِبَالِ وَلَمْ يَرْفَعْ عَيْنَيْهِ إِلَى أَصْنَامِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَلاَ نَجَّسَ امْرَأَةَ قَرِيبِهِ 16وَلاَ ظَلَمَ إِنْسَاناً وَلاَ ارْتَهَنَ رَهْناً وَلاَ اغْتَصَبَ اغْتِصَاباً, بَلْ بَذَلَ خُبْزَهُ لِلْجَوْعَانِ وَكَسَا الْعُرْيَانَ ثَوْباً 17وَرَفَعَ يَدَهُ عَنِ الْفَقِيرِ وَلَمْ يَأْخُذْ رِباً وَلاَ مُرَابَحَةً, بَلْ أَجْرَى أَحْكَامِي وَسَلَكَ فِي فَرَائِضِي, فَإِنَّهُ لاَ يَمُوتُ بِإِثْمِ أَبِيهِ. حَيَاةً يَحْيَا. 18أَمَّا أَبُوهُ فَلأَنَّهُ ظَلَمَ ظُلْماً وَاغْتَصَبَ أَخَاهُ اغْتِصَاباً, وَعَمِلَ غَيْرَ الصَّالِحِ بَيْنَ شَعْبِهِ, فَهُوَذَا يَمُوتُ بِإِثْمِهِ. 19«وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لِمَاذَا لاَ يَحْمِلُ الاِبْنُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ؟ أَمَّا الاِبْنُ فَقَدْ فَعَلَ حَقّاً وَعَدْلاً. حَفِظَ جَمِيعَ فَرَائِضِي وَعَمِلَ بِهَا فَحَيَاةً يَحْيَا. 20اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. الاِبْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الاِبْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ. 21فَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُ الَّتِي فَعَلَهَا وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي وَفَعَلَ حَقّاً وَعَدْلاً فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ. 22كُلُّ مَعَاصِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا لاَ تُذْكَرُ عَلَيْهِ. فِي بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَ يَحْيَا}.

هنا كلام الرب واضح بما لا يدع مجالا للشك أنه ليس هناك ما يسمى وراثة خطيئة ، فالله يستنكر على اليهود قولهم أن الله يعاقب الابن بذنب الأب أو أن الابن يرث ذنب ابيه و هذا تأكيد لما شرعه الرب في تث24: {16«لا يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلادِ وَلا يُقْتَلُ الأَوْلادُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ} . و لكن بشكل أكثر شمولية فلا وراثة لذنب أو عقاب.
بعد أن ناقشت رأي صديقي المحاور بشأن النصوص خلا مزمور 51 و بعد عرض هذا النص القاطع من حزقيال 18 يبقى أمامنا خيار من ثلاث بخوص نص مز51: 5 :

1-      دواد كان يعتقد فعلا انه ورث خطايا أبيه و أمه و ليس آدم فقط و في هذه الحالة يدخل كلامه تحت إطار فهم بشري خاطيء صححه الله نفسه في حزقيال 18 .

2-      أن داود أراد تصوير حالته الخاطئة و شدة و طئتها بشكل مجازي فقال أنه خاطيء حتىى وهو في بطن أمه و هذا ما تعرضه ترجمة مثل NET BIBLE :
,,Look, I was guilty of sin from birth, a sinner the moment my mother conceived me‘‘[1]

هأنذا كنت مذنبًا بالخطايا منذ ولادتي، خاطئًا منذ اللحظة التي حملتني فيها أمي.

3-       خيار مبني على استخدام حرف الجر (ב) في كلمتى بالإثم בעוון و بالخطيئة בחטא  العبريتين و الذي يمكن أن يترجم [ بـ / في ] و بالتالي يترجَم النص (هأنذا في الإثم صورت، في الخطيئة حبلت بي أمي) و هي الترجمة التي نجدها بالفعل في السبعينية 

δο γρ ν νομίαις συνελήμφθην, κα ν μαρτίαις κίσσησέν με μήτηρ μου.  

و الترجمة  بهذا المعنى تصف حالة واقع المرتل الخاطيء و بيئته الملوثة بالإثم من كل جانب فهو قد صُوِّر فيها و فيها حبلت به أمه. فهو منغمس في الخطيئة لأنه جزء من مجتمع خاطيء.

هذه الفرضيات الثلاث كلها تنفي عن نص المزمور صحة الاستدلال به في موضوع وراثة الخطيئة.

و بهذا أكون قد أنهيت النقاش في نصوص العهد القديم التي استدل بها صديقي المحاور كمرجعية لأثبات إيمانه حول توريث الخطيئة الجدية.

*****************************************

نأتي الآن للنص الرئيس رو 5 : 12. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ }

و قد علّق صديقي قائلا : (الترجمة الدقيقة من اليونانية والقبطية :- أخطأ الجميع به ، وهو ما يتضح كذلك من : رو5: 19).

دعوني أولاً أعلق على كلام صديقي حول دقة الترجمة :

 يا صديقي الترجمة بالشكل الذي تعرضه هي موضوع جدال بين المترجمين[2]. فلا يجوز الاستدلال القاطع بما هو موضع جدال في الترجمة.

ثانيًا بالنسبة للنص نفسه أعتقد أن فهم هذا النص  لا يبنى فقط على النص نفسه لكن لابد أولاً من قرائته داخل سياقه و ومقارنة هذا السياق بخلفيته .إذًا دعونا نلقي نظرة أكثر قربًا على السياق.

يتكلم الرسول في الأصحاحين 5 و 6 من رسالة رومية في سياق واحد هو الموت في الأصل القديم (آدم) و الحياة في الأصل الجديد (يسوع المسيح) و الانتقال من عبودية الخطيئة إلى العبودية لله. و رغم استخدامه مصطلحات مثل (الرب Kyrios و السلام) معًا كمصطلحات مألوفة للقاريء الروماني باعتبارها مرتبطة بشخصية الأمبراطور ينطلق بولس الرسول من خلفية يهودية  صرفة وهي مفهومه عن المسيح و ذبيحته باعتبارها (كفّارة) ففي مدخل الأصحاح ال5 يستخدم الرسول كلمة (دخول προσαγωγν  ) وهي كلمة استخدمتها السبعينية كمصطلح تقني خاص بيوم الكفارة [(خر29: 4، 10)، (لا16: 1-21)، (عد5: 16)، (تث2: 19) ][3].و لنأخذ ذلك بشيء من التفصيل.

  يستخدم بولس متوالية {الخطيئة و غضب الله على الفجور – الموت لكل للبشر و الكون – التبرير بالإيمان و الدم – الحياة للبشر و الكون} وهي متوالية كلاسيكية تعبر عن المفهوم اليهودي لأحداث يوم الكفارة (لاويين16). 

كان اليهود يرون في أحداث يوم الكفارة ـــ الذي يأتي بعد عام كامل من العصيان الذي يستوجب استعلان غضب الله على الشر و مجيئه للدينونة ـــ أن الرب نفسه هو الذي يهبهم الحياة و التقديس و التبرير خلال الدم المرشوش لا على الناس فقط بل على الجمادات الموجودة في الأقداس بعد أن تقدس الدم بلمسه تابوت العهد حيث الله حاضر و بذلك تطهروا من خطاياهم و عاد السلام بينهم و بين الله مرة أخرى، ليس ذلك فقط بل يمتد تأثير هذا الحدث للكون كله و الخليقة جميعا ليس اليهود فقط بل الإنسان و الحيوان و النبات أيضًا فالخطيئة و الموت موضوع واحد في الكتاب المقدس لا ينفصلان و القضاء على أحدهما هو القضاء على كليهما. النصوص الكتابية و الأبوكريفا اليهودية مثل سفر أخنوخ الأول مثلا يربطون الإنسان بالكون كله فعمل الإنساني الذي هو كاهن الخليقة و ملكها و حارسها يؤثر بالتبعية  على الكون فحينما يخطيء الإنسان و يتعرض لغضب الله و يجلب الموت على نفسه لا يكون التأثير محصورًا في البشر فقط بل في كل الكون فخطيئة الإنسان تجعل كل الكون خاطئًا حتى الحيوانات و النباتات التي لا تخطيء بحسب الناموس أو الجمادات التي لا حس فيها كلها يمتد إليها تأثير الخطية و الموت. يمكننا أن نرى ذلك في عدة مواضع في الكتاب المقدس منها (تك3: 17- 20) {17وَقَالَ لِآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. 18وَشَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. 19بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ».}. و نفس الشيء في (تك6: 7) {فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ: الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ. لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». }.
في هذه النصوص نرى أن الأرض و الحيونات كلها جعلت خاطئة لا لأنها أخطأت أو ورثت خطيئة بل لأن الإنسان المائت جعل الموت يدب فيها أيضًا لأن الكون و الإنسان هم في الأصل عجينة واحدة بموت الواحد يموت الآخر. فاستبدال الموت الكوني بالحياة الكونية كان هو العنصر المحوري في يوم الكفارة فموت الكون و الإنسان هو المعنى المرادف تماما لخطيئة الإنسان  كما أن غفران خطايا الإنسان و الكون  هو المعنى المرادف لاعطاء الإنسان و الكون الحياة من خلال الدم الخارج من الحضرة الإلهية[4].  

بعد هذه النظرة الخاطفة على مفهوم الكفارة في العهد القديم يمكننا أن نفهم بوضوح كلمات بولس الرسول آخذين في الأعتبار دور السيد المسيح و المؤمنين في انعتاق الخليقة (راجع رومية 8).  
الرسول في الرسالة خلال الأصحاحات 5 و 6 يقارن ما بين أصلين للخليقة الأول آدم و الثاني المسيح ثم يشرح عمل المسيح في المؤمنين به. بالشكل التالي :

1-      آدم أخطأ حين عصى الوصية فأتى الموت ثم أجتاز الموت لجميع الناس حتى الذين لم يخطئوا مثل آدم لأن الكل أخطأ (رو5: 12). وهذا هو المرادف الفعلي لكون خطيئة آدم جعلت الكثيرين خطاة لا لأنهم ورثوا خطيئة بل لأن موت آدم تسبب في موتهم أيضًا (رو5: 19)[5]. و في اجتياز الموت كدينونة على الكل ملكت الخطيئة في الموت(رو5: 21).

2-      المسيح أطاع الوصية و بموته غفر خطايا المؤمنين  لأنه أعطاهم الحياة من خلال دمه الإلهي. و بطاعة الواحد أي المسيح تبرر كثيرون و ملكوا في الحياة مع المسيح (رو5: 17)، و هذا هو المرادف الفعلي لكون طاعة المسيح جعلت الكثيرين أبرارًا (رو5: 19). و  كما ملكت الخطيئة في الموت ملكت النعمة على الكل  بالبر في حياة المسيح (رو5: 21). 

و لعل هذا تسلسل آدم _ تعدي و خطيئة – موت – ابناء آدم أخطأوا – فازداد الموت أكثر - جاء المسيح و اطاع – حياة – اولاد الله كلهم احياء في طاعة الله.
 هو التسلسل الذي أوقع كثيرين في فهم خاطي يقود إلى وراثة الخطيئة لأنهم حذفوا عنصر الموت من المنتصف فظهر آدم و اولاده و الخطيئة فقط  ففهم القاريء غير المدقق أن هناك وراثة لخطيئة آدم (وهو ما يعارضه نص حزقيال 18 صراحة).

3-      البشر حينما أخطئوا كانت نهاية أعمالهم الموت آمنوا ثم ماتوا أولا مع المسيح و فيه قاموا لحياة أبدية و بالتالي غفرت خطاياهم إذ استُبدِل موتهم بحياة المسيح من خلال الروح القدس لذلك لابد من أن يسلكوا كما سلك المسيح في الطاعة لا في الخطيئة (راجع رو6). حتى يتم انعتاق كل الخليقة مع اولاد الله في النهاية (رو8).

و هنا تحضرني قصة المولود أعمى الذي سأل عنه التلاميذ و عن سبب ولادته أعمى هل هي خطيئته ! أم خطيئة أبويه (يو9: 2) و لاحظ هنا عزيزي القاريء أن التلاميذ يسألون سؤالًا غريبا 

‘‘هل الرجل أخطأ حتى ولِد أعمى ؟ ’’  أي أن التلاميذ كان يدور بأذهانهم إمكانية أن يخطئ الطفل الصغير في بطن أمه أو كان لفهمهم علاقة بموضوع تناسخ الارواح (أمكانية دخول الروح من جسد لآخر كلما مات هذا الجسد) الرائج  في الفلسفة اليونانية  !!!!!!!!! 

أما السؤال الثاني فهل أخطأ ابواه و بالتالي هو ولِد أعمى لأنه وارث عقاب خطيئة ابويه أو أن ولادته على هذه الحال كانت عقابًا للوالدين المخطئين.
و قد كرر الفريسيون نفس الأمر محاولين إهانة الرجل حين قالوا له ‘‘في الخطايا ولدت انت بجملتك’’ (9: 34)  [ربما اعتمادًا على مز51].

لكن الرب نفى هذا و رفض شيوع هذا المنطق في زمنه[6] قائلًا إن حالة الرجل هي وسيلة استعلان مجد الله فهو لم يخطيء في بطن امه أو ورث عقاب أبويه [ينفي هذا الفهم الخاطيء لـخروج 20: 5  الذي يمكن أن يكون هو الخلفية القابعة في ذهن التلاميذ].

خلاصة : 

1-      التعليم بوراثة الخطيئة هو تعليم يعارضه الكتاب المقدس بتصريح إلهي في حزقيال 18 و رفضه الرب يسوع في يوحنا9.

2-      ذكر صديقي  عدة نصوص فندتها واحدًا تلو الآخر مظهرًا خطأه في فهمها و عدم ارتباطها بموضوع وراثة الخطيئة.

3-      الموت و الخطيئة كلمتان مترادفتان كتابيا فالخطيئة هي موت و الغفران هو حياة. وهذا هو الفهم اليهودي القابع خلف حديث بولس الرسول في رسالة رومية . إذ ان خطيئة آدم أي تعديه و موته جعلت ابناءه مائتين فاصبحوا خطاة بفعل عنصر الموت الساكن فيهم لأنهم امتلكوا إمكانية اختيار الشر كما امتلكها آدم. و بحياة المسيح عاش اولاده إذ أن حياته فيهم عنت بالتبعية غفران الخطايا و إمكانية اختيار الخير مرة أخرى[7]. أي أن العنصرين الحقيقين المتناقلين بين الأجيال كما تشرحهما رسالة رومية هما الموت و الحياة ـــ فهما العنصرين المرتبطين وثيقًا بالطبيعة الإنسانية ـــ و يستخدم بولس تعبيرات الخطيئة (تعدي الوصية) و البر (طاعة الوصية) كمترادفات للموت و الحياة.



[1] يمكن أن ترجع لتعليق المترجم على https://net.bible.org/#!bible/Psalms+51 .

[2] راجع حاشية14 على https://net.bible.org/#!bible/Romans+5:9 .

[3] Luke Timothy Johnson, Reading Romans a literary and theological commentary, 2001,  P84

[4] لتفاصيل أكثر راجع:  مجلة مدرسة الأسكندرية (السنة الرابعة2012)،مقال مترجم بعنوان :  الكفارة طقس الشفاء،ص87- 112، وهو مقال مترجم عن Margaret Barker, the Great High Priest the temple roots of Christian Liturgy,2004,p 42-55  . كما أن الرسالة للعبرانيين تشرح ذلك بشكل رائع.

[5] نجد في المشناه اليهودية فهمًا مشابهًا عن وراثة الموت لا وراثة الخطيئة حيث نجد أحد الرابيين اليهود في تفسيره لقصة هابيل حيث يقول معتمدًا على قراءة غريبة  لنص (تك4: 10) فبدلا من قراءة {صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض} يقرأ النص {صوت دماء أخيك....} و يعلق قائلاً أن موت إنسان يؤدي لموت سلالته و حياة إنسان هي حياة لسلالته (Mishnah Sanhedrin, 4.5).

[6] للإطلاع على الخلفية اليهودية لهذا التعليم أنظر تعليق جون لايتفوت على يوحنا 9 http://www.studylight.org/com/jlc/view.cgi?bk=42&ch=9.
 
[7] يمثل الخوف من الموت عنصرًا مهما في التشكيل النفسي للإنسان فغريزة البقاء هي التي تدفعه في أحيان كثيرة لتدمير من حوله و بالتالي الوقوع في الشر و عدم طاعة الوصية و التدني في الخطيئة أكثر و أكثر. و بالتالي كان ضمان الحياة في المسيح بالنسبة للإنسان المسيحي دافعا لخدمة من حوله و طاعة الوصية باجتهاد بلا خوف من قتل او اضطهاد فلقد مات الإنسان المسيحي اولا بالمعمودية و خرج منها ليحيا للمسيح و الميت عن العالم لا يخاف موت العالم و إنما يهتم للحياة و بثها فيمن حوله.
بالتدقيق في الذات الإنسانية جيدا نجد أن هذا هو العامل المشترك في كل نسل آدم أي سعي الإنسان للبقاء الممزوج غالبا باختياره لفعل الشر نتيجة و جود الموت كعامل مشترك في الكل. بينما في المسيح لا يحتاج الإنسان للتشبث بغريزة البقاء لأن حياته مضمونة و بالتالي هو يعمل أعمال الحياة في طاعة للوصية لأنه تشبث بالحياة في المسيح لا بالحياة في العالم.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاص كما تشرحه التسبحة القبطية

شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)

الأصحاح الأول من سفر التكوين ... بين العلم و الكتاب المقدس